الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 453 - الجزء 1

  حتى رأيت دموعه قد بلت الأرض، فأتاه بلال يؤذنه بصلاة الغداة فرآه يبكى فقال له: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: يا بلال أفلا أكون عبداً شكورا. ثم قال: ومالى لا أبكى وقد أنزل الله علىّ في هذه الليلة {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها. وروى: «ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمّلها» وعن على رضى الله عنه: أنّ النبىّ ÷ كان إذا قام من الليل يتسوّك ثم ينظر إلى السماء ثم يقول {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}. وحكى أنّ الرجل من بنى إسرائيل كان إذا عبد الله ثلاثين سنة أظلته سحابة، فعبدها فتى من فتيانهم فلم تظله، فقالت له أمّه: لعلّ فرطة فرطت منك في مدّتك؟ فقال: ما أذكر. قالت: لعلك نظرت مرّة إلى السماء ولم تعتبر؟ قال: لعلّ. قالت: فما أُتيت إلا من ذاك {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ} ذكراً دائباً على أى حال كانوا، من قيام وقعود واضطجاع لا يخلون بالذكر في أغلب أحوالهم. وعن ابن عمر وعروة بن الزبير وجماعة أنهم خرجوا يوم العيد إلى المصلى فجعلوا يذكرون الله، فقال بعضهم: أما قال الله تعالى: {يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً} فقاموا يذكرون الله على أقدامهم. وعن النبي ÷ «من أحبّ أن يرتع في رياض الجنة فليكثر ذكر الله» وقيل: معناه يصلون في هذه الأحوال على حسب استطاعتهم. قال رسول الله ÷ لعمران بن الحصين «صل قائما فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب، تومئ إيماء» وهذه حجة للشافعي | في إضجاع المريض على جنبه كما في اللحد. وعند أبى حنيفة | أنه يستلقى حتى إذا وجد خفة قعد. ومحل {عَلى جُنُوبِهِمْ} نصب على الحال عطفاً على ما قبله، كأنه قيل: قياما وقعوداً ومضطجعين {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} وما يدل عليه اختراع هذه الأجرام العظام وإبداع صنعتها وما دبر فيها بما تكل الأفهام عن إدراك بعض عجائبه على عظم شأن الصانع