الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 455 - الجزء 1

  {فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} فقد أبلغت في إخزائه. وهو نظير قوله فقد فاز. ونحوه في كلامهم: من أدرك مرعى الصمان فقد أدرك، ومن سبق فلانا فقد سبق {وَما لِلظَّالِمِينَ} اللام إشارة إلى من يدخل النار وإعلام بأنّ من يدخل النار فلا ناصر له بشفاعة ولا غيرها، تقول: سمعت رجلا يقول كذا، وسمعت زيداً يتكلم. فتوقع الفعل على الرجل وتحذف المسموع، لأنك وصفته بما يسمع، أو جعلته حالا عنه فأغناك عن ذكره، ولو لا الوصف أو الحال لم يكن منه بد، وأن يقال سمعت كلام فلان أو قوله. فإن قلت: فأىّ فائدة في الجمع بين المنادى وينادى؟ قلت: ذكر النداء مطلقاً ثم مقيداً بالإيمان تفخيما لشأن المنادى؛ لأنه لا منادى أعظم من مناد ينادى للإيمان. ونحوه قولك: مررت بهاد يهدى للإسلام. وذلك أنّ المنادى إذا أطلق ذهب الوهم إلى مناد للحرب، أو لإطفاء النائرة، أو لإغاثة المكروب، أو لكفاية بعض النوازل، أو لبعض المنافع، وكذلك الهادي قد يطلق على من يهدى للطريق ويهدى لسداد الرأى وغير ذلك؛ فإذا قلت: ينادى للإيمان، ويهدى للإسلام، فقد رفعت من شأن المنادى والهادي وفخمته. ويقال: دعاه لكذا وإلى كذا، وندبه له وإليه، وناداه له وإليه. ونحوه: هداه للطريق وإليه، وذلك أن معنى انتهاء الغاية ومعنى الاختصاص واقعان جميعاً، والمنادى هو الرسول {أَدْعُوا إِلَى اللهِ}، {ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ}. وعن محمد بن كعب: القرآن. {أَنْ آمِنُوا} أى آمنوا، أو بأن آمنوا {ذُنُوبَنا} كبائرنا {سَيِّئاتِنا} صغائرنا {مَعَ الْأَبْرارِ} مخصوصين بصحبتهم، معدودين في جملتهم. والأبرار: جمع برّ أو بارّ، كرب وأرباب، وصاحب وأصحاب {عَلى رُسُلِكَ} على هذه صلة للوعد، كما في قولك: وعد الله الجنة على الطاعة. والمعنى: ما وعدتنا على تصديق رسلك. ألا تراه كيف أتبع ذكر المنادى للإيمان وهو الرسول وقوله آمنا وهو التصديق ويجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف، أى ما وعدتنا منزلا على رسلك، أو محمولا على رسلك، لأن الرسل محملون ذلك {فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ} وقيل: على ألسنة رسلك. والموعود هو الثواب. وقيل: النصرة على الأعداء. فإن قلت: كيف دعوا الله بإنجاز ما وعد والله لا يخلف الميعاد؟ قلت: معناه طلب التوفيق فيما يحفظ عليهم أسباب إنجاز الميعاد أو هو باب من اللجأ إلى الله والخضوع له، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم، يقصدون بذلك