الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة آل عمران

صفحة 456 - الجزء 1

  التذلل لربهم والتضرع إليه، واللجأ الذي هو سيما العبودية.

  {فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ ١٩٥}

  يقال استجاب له واستجابه:

  فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

  {أَنِّي لا أُضِيعُ} قرئ بالفتح على حذف الياء، وبالكسر على إرادة القول. وقرئ: لا أضيع، بالتشديد {مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى} بيان لعامل {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} أى يجمع ذكوركم وإناثكم أصل واحد، فكل واحد منكم من الآخر، أى من أصله، أو كأنه منه لفرط اتصالكم واتحادكم. وقيل المراد وصلة الإسلام. وهذه جملة معترضة بينت بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله عباده العاملين. وروى أنّ أمّ سلمة قالت: يا رسول الله، إنى أسمع الله تعالى يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء. فنزلت {فَالَّذِينَ هاجَرُوا} تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له والتفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية الفائقة، وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله بدينهم من دار الفتنة، واضطرّوا إلى الخروج من ديارهم التي ولدوا فيها ونشوّا بما سامهم المشركون من الخسف {وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي} من أجله وبسببه، يريد