الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة المائدة

صفحة 603 - الجزء 1

  الشرطية. وفي قراءة عبد الله. إن يصدوكم. ومعنى صدّهم إياهم عن المسجد الحرام: منع أهل مكة رسول الله ÷ والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة، ومعنى الاعتداء: الانتقام منهم بإلحاق مكروه بهم {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى} على العفو والإغضاء {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} على الانتقام والتشفي. ويجوز أن يراد العموم لكل برّ وتقوى وكل إثم وعدوان، فيتناول بعمومه العفو والانتصار.

  {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣}

  كان أهل الجاهلية يأكلون هذه المحرمات: البهيمة التي تموت حتف أنفها، والفصيد وهو الدم في المباعر، يشوونها ويقولون: لم يحرم من فزد له {وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} أى رفع الصوت به لغير الله، وهو قولهم: باسم اللات والعزى عند ذبحه {وَالْمُنْخَنِقَةُ} التي خنقوها حتى ماتت، أو انخنقت بسبب {وَالْمَوْقُوذَةُ} التي أثخنوها ضربا بعصا أو حجر حتى ماتت {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} التي تردّت من جبل أو في بئر فماتت {وَالنَّطِيحَةُ} التي نطحتها أخرى فماتت بالنطح {وَما أَكَلَ السَّبُعُ} بعضه {إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ} إلا ما أدركتم ذكاته وهو يضطرب اضطراب المذبوح وتشخب أوداجه. وقرأ عبد الله: والمنطوحة. وفي رواية عن أبى عمرو {السَّبُعُ} بسكون الباء. وقرأ ابن عباس: وأكيل السبع {وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} كانت لهم حجارة منصوبة حول البيت يذبحون عليها ويشرحون اللحم عليها، يعظمونها بذلك ويتقربون به إليها، تسمى الأنصاب، والنصب واحد. قال الأعشى:

  وَذَا النَّصْبِ الْمَنْصُوبِ لَا تَعْبُدَنَّهُ ... لِعَاقِبَةٍ وَاللهَ رَبَّكَ فَاعْبُدَا