سورة المائدة
  وقيل: هو جمع، والواحد نصاب. وقرئ {النُّصُبِ} بسكون الصاد {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ} وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام أى بالقداح. كان أحدهم إذا أراد سفراً أو غزواً أو تجارة أو نكاحا أو أمراً من معاظم الأمور ضرب بالقداح، وهي مكتوب على بعضها: نهاني ربى، وعلى بعضها: أمرنى ربى، وبعضها غفل؛ فإن خرج الآمر مضى لطيته، وإن خرج الناهي أمسك، وإن خرج الغفل أجالها عوداً. فمعنى الاستقسام بالأزلام: طلب معرفة ما قسم له مما لم يقسم له بالأزلام. وقيل: هو الميسر. وقسمتهم الجزور على الأنصباء المعلومة {ذلِكُمْ فِسْقٌ} الإشارة إلى الاستقسام: أو إلى تناول ما حرّم عليهم؛ لأنّ المعنى حرّم عليكم تناول الميتة وكذا وكذا. فإن قلت: لم كان استقسام المسافر وغيره يا لأزلام لتعرف الحال فسقاً؟ قلت: لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر به علام الغيوم وقال: {لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ} واعتقاد أنّ إليه طريقاً وإلى استنباطه، وقوله: أمرنى ربى، ونهاني ربى: افتراء على الله. وما يدريه أنه أمره أو نهاه. والكهنة والمنجمون بهذه المثابة. وإن كان أراد بالرب الصنم - فقد روى أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم - فأمره ظاهر {الْيَوْمَ} لم يرد به يوماً بعينه، وإنما أراد به الزمان الحاضر وما يتصل به ويدانيه من الأزمنة الماضية والآتية، كقولك: كنت بالأمس شابا، وأنت اليوم أشيب، فلا تريد بالأمس اليوم الذي قبل يومك، ولا باليوم يومك. ونحوه «الآن» في قوله:
  الآنَ لمَّا ابْيَضَّ مَسْرُبَتِى ... وَعَضَضْتُ مِنْ نَابِى عَلَى لَجذَمِ