الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 4 - الجزء 2

  كقوله تعالى {وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها} أو لأن الظلمات كثيرة، لأن ما من جنس من أجناس الأجرام إلا وله ظل، وظله هو الظلمة، بخلاف النور فإنه من جنس واحد وهو النار. فإن قلت: علام عطف قوله {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ}؟ قلت: إما على قوله {الْحَمْدُ لِلَّهِ} على معنى أن الله حقيق بالحمد على ما خلق، لأنه ما خلقه إلا نعمة، ثم الذين كفروا به يعدلون فيكافرون نعمته وإما على قوله {خَلَقَ السَّماواتِ} على معنى أنه خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه، ثم هم يعدلون به ما لا يقدر على شيء منه. فإن قلت: فما معنى ثم؟ قلت: استبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته، وكذلك {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} استبعاد لأن يمتروا فيه بعد ما ثبت أنه محييهم ومميتهم وباعثهم.

  {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ ٢}

  {ثُمَّ قَضى أَجَلاً} أجل الموت {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ} أجل القيامة. وقيل: الأجل الأوّل:

  ما بين أن يخلق إلى أن يموت. والثاني: ما بين الموت والبعث وهو البرزخ. وقيل: الأوّل النوم. والثاني: الموت. فإن قلت: المبتدأ النكرة إذا كان خبره ظرفا وجب تأخيره فلم جاز تقديمه