الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 5 - الجزء 2

  في قوله {وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ}؟ قلت: لأنه تخصص بالصفة فقارب المعرفة، كقوله {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ}. فإن قلت: الكلام السائر أن يقال: عندي ثوب جيد، ولى عبد كيس، وما أشبه ذلك، فما أوجب التقديم؟ قلت: أوجبه أن المعنى: وأى أجل مسمى عنده تعظيما لشأن الساعة، فلما جرى فيه هذا المعنى وجب التقديم.

  {وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ ٣}

  {فِي السَّماواتِ} متعلق بمعنى اسم الله، كأنه قيل وهو المعبود فيما. ومنه قوله {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ} أو هو المعروف بالإلهية أو المتوحد بالالهية فيها، أو هو الذي يقال له - الله - فيها لا يشرك به في هذا الاسم. ويجوز أن يكون {اللهُ فِي السَّماواتِ} خبراً بعد خبر، على معنى: أنه الله - وأنه في السموات والأرض، بمعنى: أنه عالم بما فيهما لا يخفى عليه منه شيء، كأن ذاته فيهما. فإن قلت: كيف موقع قوله {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ}؟ قلت: إن أردت المتوحد بالإلهية كان تقريراً له، لأن الذي استوى في علمه السر والعلانية هو - الله - وحده، وكذلك إذا جعلت في السموات خبراً بعد خبر، وإلا فهو كلام مبتدأ بمعنى: هو يعلم سركم وجهركم. أو خبر ثالث {وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ} من الخير والشر، ويثبت عليه، ويعاقب.

  {وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ ٤ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ ٥}

  {مِنْ} في {مِنْ آيَةٍ} للاستغراق. وفي {مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ} للتبعيض. يعنى: وما يظهر لهم دليل قط من الأدلة التي يجب فيها النظر والاستدلال والاعتبار، إلا كانوا عنه معرضين: تاركين للنظر لا يلتفتون إليه ولا يرفعون به رأساً، لقلة خوفهم وتدبرهم للعواقب {فَقَدْ كَذَّبُوا} مردود على كلام محذوف، كأنه قيل: إن كانوا معرضين عن الآيات، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها