الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأعراف

صفحة 192 - الجزء 2

  {وَإِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٢٠٣}

  اجتبى الشيء، بمعنى جباه لنفسه: أى جمعه، كقولك: اجتمعه، أو جبى إليه فاجتباه: أى أخذه، كقولك: جليت إليه العروس فاجتلاها، ومعنى {لَوْ لا اجْتَبَيْتَها} هلا اجتمعتها، افتعالا من عند نفسك، لأنهم كانوا يقولون: {ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً} أو هلا أخذتها منزّلة عليك مقترحة؟ {قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي} ولست بمفتعل للآيات، أو لست بمقترح لها {هذا بَصائِرُ} هذا القرآن بصائر {مِنْ رَبِّكُمْ} أى حجج بينة يعود المؤمنون بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب.

  {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ٢٠٤}

  {وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ظاهره وجوب الاستماع والإنصات وقت قراءة القرآن في صلاة وغير صلاة. وقيل: كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت، ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم إذا كانوا في مجلس يقرأ فيه القرآن. وقيل معناه: وإذا تلا عليكم الرسول القرآن عند نزوله فاستمعوا له. وقيل: معنى فاستمعوا له: فاعملوا بما فيه ولا تجاوزوه.

  {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ ٢٠٥}

  {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} هو عامّ في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل وغير ذلك {تَضَرُّعاً وَخِيفَةً} متضرعاً وخائفاً {وَدُونَ الْجَهْرِ} ومتكلما كلاماً دون الجهر، لأنّ الإخفاء أدخل في الإخلاص وأقرب إلى حسن التفكر {بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ} لفضل هذين الوقتين. أو أراد الدوام. ومعنى بالغدوّ: بأوقات الغدوّ، وهي الغدوات. وقرئ: والإيصال، من آصل إذا دخل في الأصيل، كأقصر وأعتم وهو مطابق للغدوّ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ} من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه.

  {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ٢٠٦}