الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 210 - الجزء 2

  رجلان: مصعب بن عمير، وسويد بن حرملة: كانوا يقولون: نحن صم بُكم عُمى عما جاء به محمد، لا نسمعه ولا نجيبه، فقتلوا جميعا بأحد، وكانوا أصحاب اللواء. وعن ابن جريج: هم المنافقون. وعن الحسن: أهل الكتاب.

  {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ٢٤}

  {إِذا دَعاكُمْ} وحد الضمير كما وحده فيما قبله، لأن استجابة رسول الله ÷ كاستجابته، وإنما يذكر أحدهما مع الآخر للتوكيد، والمراد بالاستجابة. الطاعة والامتثال. وبالدعوة: البعث والتحريض. وروى أبو هريرة أن النبي ÷ مرّ على باب أبىّ ابن كعب فناداه وهو في الصلاة فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك عن إجابتى؟ قال: كنت أصلى. قال: ألم تخبر فيما أوحى إلىّ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ} قال: لا جرم لا تدعوني إلا أجبتك. وفيه قولان، أحدهما: إن هذا مما اختص به رسول الله ÷. والثاني أن دعاءه كان لأمر لم يحتمل التأخير، وإذا وقع مثله للمصلي فله أن يقطع صلاته {لِما يُحْيِيكُمْ} من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة، كما أنّ الجهل موت. ولبعضهم:

  لَا تُعْجِبَنَّ الْجَهُولَ حُلَّتُهُ ... فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنُ

  وقبل لمجاهدة الكفار، لأنهم لو رفضوها لغلبوهم وقتلوهم، كقوله {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ} وقيل للشهادة، لقوله {بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}. {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} يعنى أنه يميته فتفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يريده الله، فاغتنموا هذه الفرصة، وأخلصوا قلوبكم لطاعة الله ورسوله {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} فيثيبكم على حسب سلامة القلوب وإخلاص الطاعة. وقيل: