الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 228 - الجزء 2

  في صورة سراقة بن مالك بن جعشم الشاعر الكناني - وكان من أشرافهم - في جند من الشياطين معه راية، وقال: لا غالب لكم اليوم، وإنى مجيركم من بنى كناية. فلما رأى الملائكة تنزل، نكص وقيل: كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما نكص قال له الحارث: إلى أين؟ أتخذ لنا في هذه الحال؟ فقال: إنى أرى مالا ترون، ودفع في صدر الحارث وانطلق، وانهزموا، فلما بلغوا مكة قالوا: هزم الناس سراقة، فبلغ ذلك سراقة فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم فلما أسلموا علموا أنه الشيطان. وفي الحديث: وما رئي إبليس يوما أصغر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رئي يوم بدر. فإن قلت: هلا قيل لا غالباً لكم كما يقال: لا ضاربا زيداً عندنا؟ قلت: لو كان {لَكُمُ} مفعولا لغالب، بمعنى: لا غالباً إياكم لكان الأمر كما قلت: لكنه خبر تقديره: لا غالب كائن لكم.

  {إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٩}

  {إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ} بالمدينة {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} يجوز أن يكون من صفة المنافقين، وأن يراد الذين هم على حرف ليسوا بثابتى الأقدام في الإسلام. وعن الحسن: هم المشركون {غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ} يعنون أنّ المسلمين اغتروا بدينهم وأنهم يتقوّون به وينصرون من أجله، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر إلى زهاء ألف، ثم قال جوابا لهم {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ} غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوى.

  {وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ ٥٠ ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ ٥١}

  {وَلَوْ تَرى} ولو عاينت وشاهدت، لأن «لو» تردّ المضارع إلى معنى الماضي، كما تردّ «إن»