الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل،

محمود بن عمر الزمخشري (المتوفى: 538 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 227 - الجزء 2

  وقيل لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تعالى. وفي الحديث: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور»

  {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ٤٧}

  حذرهم - بالنهى عن التنازع واختلاف الرأى - نحو ما وقع لهم بأحد لمخالفتهم رسول الله ÷ من فشلهم وذهاب ريحهم {كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ} هم أهل مكة حين خرجوا الحماية العير، فأتاهم رسول أبى سفيان وهم بالجحفة: أن ارجعوا فقد سلمت عيركم، فأبى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدراً نشرب بها الخمور، وتعزف علينا القيان ونطعم بها من حضرنا من العرب. فذلك بطرهم ورئاؤهم الناس بإطعامهم، فوافوها، فسقوا كئوس المنايا مكان الخمر وناحت عليهم النوائح مكان القيان، فنهاهم أن يكونوا مثلهم بطرين طربين مرائين بأعمالهم، وأن يكونوا من أهل التقوى والكآبة والحزن من خشية الله ø، مخلصين أعمالهم لله.

  {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ ٤٨}

  {وَ} اذكر {إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ} التي عملوها في معاداة رسول الله ÷، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون، وأوهمهم أن اتباع خطوات الشيطان وطاعته مما يجيرهم فلما تلاقى الفريقان نكص الشيطان وتبرأ منهم، أى بطل كيده حين نزلت جنود الله وكذا عن الحسن |: كان ذلك على سبيل الوسوسة ولم يتمثل لهم. وقيل: لما اجتمعت قريش على السير ذكرت الذي بينها وبين بنى كنانة من الحرب، فكان ذلك يثنيهم، فتمثل لهم إبليس