مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة (القسم الثاني)،

عبدالله بن حمزة (المنصور بالله) (المتوفى: 614 هـ)

مسألة [في الرؤية]

صفحة 119 - الجزء 1

  من الأحوال لرأيناه الآن، فلأنا على الحال التي يصح نرى جميع ما يصح رؤيته لكوننا أحياء سليمي الحواس وهو تعالى موجود، والموانع بيننا وبينه مرتفعة، وكل رائي ومرئي يكونان بهذه الصفة لا بد أن يرى الرائي المرئي.

  وأما أنا لا نراه الآن فذلك معلوم لنا ضرورة، وليس فيه خلاف يظهر فثبت أنه لا يجوز رؤيته في حال من الأحوال.

  وأما ما ذكره من الاحتجاج بقوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ٢٢ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}⁣[القيامة: ٢٢ - ٢٣]، فإن معنى ذلك عند آل محمد ~ وعليهم أن إلى واحد آلاء يقول آلاء وإلى كما يقول أمعاء ومعي، فمعنى إلى ربها ناظرة نعمة ربها ناظرة، فهي تنظر إلى نعم ربها ø تلذذا وتفكها مع ما يصلها من النعيم المقيم، والخير الجسيم، وقد قيل: إن ذلك من المجاز، وأن قوله {إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ} يريد إلى ثواب ربها، فحذف الثواب كما قال تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها}⁣[يوسف: ٨٢]، يريد أهل القرية وأهل العير، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، وذلك جائز في اللسان العربي فلا وجه لإنكاره لأن الوجوه لو نظرت الباري تعالى لكان في جهة أو حالا فيما هو في جهة، ولو كان كذلك لكان جسما أو لونا، والأجسام والألوان محدثة وهو تعالى قديم، فلا يجوز ذلك عليه تعالى في دنيا ولا آخرة وقد قال تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}⁣[الأنعام: ١٠٣]، فتمدح بنفي إدراك الأبصار وهو رؤيتها تمدحا راجعا إلى ذاته، فلا يجوز إثبات ما تمدح الله تعالى بنفيه عن نفسه.

  أما أنه تعالى تمدح بذلك فهو ظاهر، وأما أن التمدح راجع إلى ذاته فكذلك،