المسألة الأولى
  وأقول: إن الهادي # جعل لهم الثلث صلحا؛ لأن الوقف لله كما قدمنا، وما كان لله ففيه أمر الأئمة ماض لأنهم النوّاب عن الرسول الأمين ~ وعلى ذريته الطيبين فرأى # أنهم لم ينقطعوا من الكل فشرع لهم الثلث وذلك جائز للأئمة الهاديين، وعليه استقرت قواعد الدين؛ فإنا أقررنا أهل الذمة على كثير من معاصي رب العالمين لما تعذر اعترافهم عن الجملة ويدلك على ذلك قول المؤيد # يكون ملكا لا وقفا لأنه لم يصحح ما خالف الحق، وقول الهادي # يكون وقفا بجعله الفعل قربة في الأصل، وهذه الفروع طارئة بعد ثبوت القاعدة على الصحة فأثبت منها ما جوز ثبوته الشرع، ونفى حكم ما لم يجزه الشرع، وبقي الجملة على أصل الصحة.
  وعندنا ما بيناه لك من أن هذا حاله فهو ينبني على غير الصحة لكونه مجانبا للقربة فلم يبن على أصل صحيح، ويدلك على صحة استدلالنا أن ما نقضوه لا عمدة لهم في نقضه إلا أنه خارج عن الحق، ومخالف لمقتضى الشرع، فإذا الأصل واحد، وإنما يختلف النظر في الصورة المقررة، والحادثة الواقعة فانظر في ذلك موفقا؛ فليس من القربة أن المسلم قد وطئ المرأة بحكم الله، واستحل منها ما حرم على غيره بأمره سبحانه، وفرض الله لها مالا عليه جعله من آكد الأموال لزوما، ثم إذا خاف ذلك وقف ماله أو يأخذ أموال المسلمين في ذمته، فإذا خاف ذلك وقف ماله وأظهر أنه لله والمعلوم خلافه، والله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ}[البقرة: ١٨٨]، فأي باطل أعظم من هذا.
  وقد قال الهادي # في المنتخب: ورجل وقف جميع ماله على ولده