الخامس، والسادس: بناء جرهم والعمالقة
  قال الإمام الماوردي(١): أول من جدد بناء الكعبة من قريش بعد إبراهيم # قصي بن كلاب، وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل، وكانت خزاعة مستولية على البيت وعلى مكة، وكان كبيرهم حليل بن [حبشية](٢) الخزاعي بيده مفتاح البيت الشريف وسدانته، فخطب إليه قصي ابنته، فزوجه إياها، وكثرت أولاده وأمواله، فعظم(٣) شرفه، وهلك حليل، وأوصى بمفتاح الكعبة لابنته، فقالت: لا أقدر على السدانة، فجعلت ذلك لأبي غبشان، وكان سكيراً يحب الخمر، فأعوزه بعض الأوقات ما يشربه من الخمر، فباع مفتاح البيت بزق خمر، واشتراه منه قصي، وصار في الأمثال يقال: أخسر صفقة من أبي غبشان، وفي ذلك يقول الشاعر:
  باعت خزاعة بيت الله صاحية(٤) ... بزق خمر فما فازوا ولا ربحوا
  فلما صار المفتاح إلى قصي أنكرته خزاعة، وكثر كلامهم عليه، فأجمع(٥) على حربهم، فأحربهم وأخرجهم من مكة، وولي قصي أمر الكعبة ومكة، وجمع قومه، وملكوه عليهم، وكانوا يحترمون مكة ويعظمونها عن أن يبنوا بها بيتاً مع بيت الله تعالى، فكانوا(٦)
(١) هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري، المعروف بالماوردي، المتوفى سنة ٤٥٠ هـ، من فقهاء الشافعية ومن كبارهم، قرأ بالبصرة وببغداد، وله مصنفات منها: (الحاوي)، و (تفسير القرآن الكريم)، و (أدب الدين والدنيا) وغيرها، توفي وقبر ببغداد.
(انظر وفيات الأعيان ٣/ ٢٨٣ - ٢٨٤ ترجمة رقم (٤٢٨».
(٢) ما بين المعقوفين في النسخ بعد قوله: حليل بن، بياض قدر كلمة، وهي: حبشية كما أثبته من سيرة ابن هشام ١/ ٨٠ حيث ذكر اسمه هناك كاملاً هكذا: حليل بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي، قال ابن هشام: ويقال: حبيشة بن سلول.
(٣) في (ب): وعظم.
(٤) في (ب): ضاحية.
(٥) في (ب): فجمع.
(٦) في (ب): فيكونون بها نهاراً.