المجون في العصر العباسي
  العباسيين المهدي ثم الهادي، وخلفهما الرشيد، وبعد ذلك الأمين، وكأنه لم يخلق إلا للغناء، ويقال: إنه اشترى مغنية بعشرين ألف ألف درهم. ثم جاء المأمون فامتنع عن سماع الغناء أربع سنوات، ثم أقبل عليه(١)، وهكذا المعتصم، وكان الواثق أشد كلفاً بالغناء؛ لإحسانه الضرب على الآلة.
  ولقد بلغ من رقي هذا الفن وارتفاع شأنه في النفوس أن أقبل على تعلمه أبناء الخُلفاء وكبار الدولة وغيرهم من عِلْيَةِ القوم.
  ومن هنا فقد كانت بغداد نادياً حافلاً للغناء واللهو، مما يجعل الناس يذهبون إليها شعراء وغير شعراء؛ للسماع ورؤية الجَمَال من كل شكل وعلى كل لون.
  ولقد يُخَيّل إلى الإنسان في هذا العصر أنه لم يبق في بغداد ولا في الكوفة ولا في البصرة رجل إلاَّ عمل على أن يقتني قينة أو قِياناً للغناء والرّقص.
المُجُون في العصر العبَّاسي
  ورث المجتمع العباسي كل ما كان في المجتمع الساساني من لهو ومُجُون، فقد مضوا على عَبِّ الخمر عبّاً واحتسائها، وقد ساعد على ذلك فتوى كثير من فقهاء العراق على تحليل أنواع من الخمر، كنبيذ التمر والزبيب المطبوخ أدنى طبخ، ونبيذ
(١) قال في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني: أقام المأمون بعد قدومه عشرين شهراً لا يسمع حرفاً من الأغاني، فكان أوّل من تغنّى بحضرته أبو عيسى بن الرشيد، ثم واظب على السماع متستّرا متشبّها في أوّل أمره بالرشيد، فأقام كذلك أربع حجج، ثم ظهر إلى النّدماء والمغنّين. اهـ (٥/ ٢٥٠)، وهو بلفظه في كتاب الفرج بعد الشدة للقاضي التنوخي (١/ ٤٠٢) والتذكرة الحمدونية (٩/ ٤٣) ومعجم الأدباء لياقوت الحموي (٢/ ٦٠١) وانظر التاج في أخلاق الملوك (٤١). ومن أراد معرفة أخبارهم في الغناء والخمر واللهو فليطالع كتب الأدب، سيجد منها العجائب والغرائب.