المجون في العصر العباسي
  العسل، والبُرِّ، والتِّين، فشرب الخُلفاء وشربها الناس، وأمعنوا حتى تجاوزوا الفتوى إلى شرب الأنواع المُحرَّمة.
  ومنذ العصر الأول العباسي فقد اقترن شرب الخمر بالغناء والرقص، ومما لا ريب فيه أن إدمان الخمر دفع بالرُّعاة والرَّعيَّة إلى المجون والعبث والإباحية، وكان المجتمع زاخراً بزنادقة وملاحدة وبأناس من ديانات شتَّى مجوسية وغير مجوسية، فمضوا يطلقون لأنفسهم العنان في ارتكاب الآثام متحررين من كل قانون للخلق أو العُرف أو الدين.
  هذا، وقد تحولت كثرة المغنيات إلى أسباب فتنة وإغراء وريبة ومجون وعبث، مع ما هُنَّ عليه من الحذق في الحيل التي يجتلبن بها قلوب الرّجال، مداعبات لهم بالتبسم، وغامزات بطرف العين، وناشطات معهم بالسُّكر، حتى قال الجاحظ في وصفهن [رسائل الجاحظ الكلامية (٨٣) ]:
  فلو لم يكن لإبليس شَرَكٌ يقتل به، ولا عَلَمٌ يدعو إليه، ولا فتنةٌ يستهوي بها إلا القيان لكفاه. اهـ
  لذلك فقد انتشر الفساد والفُجْر الفاجر، وابتذلت الجواري ابتذالاً فاحشاً من غير استخفاء ولا حياء. وشاع في هذا العصر العباسي من المجون آفة أخرى غير آفة الزنا المكشوفة، وهي آفة التعلق بالغلمان، ظهر ذلك في تلك المجتمعات ظهوراً فاحشاً، ونُظِمَت فيه أشعار الغزل من غير خجل ولا حياء.
  وقد يكون من أسباب ظهور هذا الخلق المقيت كثرة الغِلمان والخصيان في بغداد وسائر المدن العراقية، وكان منهم من تسقط رجولته فيلبس لبس النساء، وكان من