الغناء في العصر العباسي
  لي الزلال لأركب، فركب وركبت معه، فمر في دجلة بإزاء منازله، فقال: يا زنام، ازمر لي:
  يا منزلاً لم تبل أطلاله ... حاشا لأطلالك أن تُبلى
  لم أبك أطلالك لكنني ... بكيت عيشي فيك إذ ولى
  والعيش أولى ما بكاه الفتى ... لا بد للمحزون أن يسلى
  قال: فما زلت أزمر هذا الصوت حتى دعا برطلية، فشرب منها قدحاً وجعلت أزمره وأكرره، وقد تناول منديلاً بين يديه، فما زال يبكي ويمسح دموعه فيه وينتحب، حتى رجع إلى منزله، ولم يستتم شرب الرطلية.
  وذكر عن علي بن الجعدانة، قال: لما احتضر المعتصم جعل يقول: «ذهبت الحيل ليست حيلة» حتى أُصْمِت.
  وذُكِر عن غيره أنه جعل يقول: «إني أُخِذْتُ من بين هذا الخلق».
  وذُكِر عنه أنه قال: «لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت». فلما مات دفن بسامراء. اهـ من الطبري(١).
الغناء في العصر العبَّاسي
  كان للغناء في العصر العباسي الأول أثر كبير، فقد اشتغلوا به حتى كأنه نعيمهم من الدنيا الذي لا يؤثرون سواه.
  وقد كانت بغداد هي عاصمة الغناء، وقد جذب إليها المغنون والمغنيات من كل فجّ، ونثرت الأموال عليهم نثراً، بل كيلت كيلاً، وأول من كالها من الخُلفاء
(١) وانظر: الكامل (٦/ ٧٦).