شقاشق الأشجان شرح منظومة عقود المرجان،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

المجون في العصر العباسي

صفحة 280 - الجزء 1

  الجواري من يلبسن لبس الغلمان لفتاً لأنظار الرجال⁣(⁣١).

  ويروى أن (الأمين) قدم الخصيان؛ فشاعت قالة السوء فيه، ويروى أن أمه أرسلت إليه درءاً لتلك القالة بعشرات من الجواري ألبستهن لبس الرجال. ولم يلبث الناس أن جاروه في هذا الصنيع، وكنَّ يُسَمَّيْنَ بالغُلاميات⁣(⁣٢).

  ومن تتمة هذا التبادل بين الجواري والخصيان في الزِّي والهيئة أن كثر المُخَنَّثُون بين المغنين والراقصين والعازفين، فكانوا يتشبهون بالنساء في عاداتهن وثيابهن،


(١) انظر عن هذا وما قبله وما بعده من ذكر المغنيات وتهتكهن، وما كان في هذا العصر من المجون المنقطع النظير: رسائل الجاحظ الكلامية (٨٣)، كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ومن ذلك قوله: اجتمع أبو نواس وأبو الشّمقمق في بيت ابن أذين، وكان بين أبي العتاهية وبين أبي الشّمقمق شرّ، فخبَّأه من أبي العتاهية في بيت. ودخل أبو العتاهية فنظر إلى غلام عندهم فيه تأنيث، فظنّ أنّه جارية، فقال لابن أذين: متى استطرفت هذه الجارية؟ فقال: قريبا يا أبا إسحاق. اهـ (٤/ ٣١٨).

وقد ذكر الجاحظ في رسالته المسماة مفاخرة الجواري والغلمان (١٦٢) الكثير مما يستشف منه طابع هذا العصر، وانظر أيضاً: اللطائف والظرائف (١٨٣)، وقد ذكر فيه يحيى بن أكثم قاضي قضاة المأمون ووسمه هو وغيره من المؤرخين بأشياء فاضحة في المجون حتى قيل فيه كما في كتاب ثمار القلوب (ص ١٥٨):

وَكُنَّا نرجي أَن نرى الْعدْل ظَاهراً ... فأعقبنا بعد الرَّجَاء قنوط

مَتى تصلح الدُّنْيَا وَيصْلح أَهلهَا ... وقاضي قُضَاة الْمُسلمين يلوط

انتهى منه.

(٢) السلوك لمعرفة الملوك (١١٨) وقد اشتهر حال الأمين ورمي بكثرة اللعب، واقتناء السودان والخصيان، وإعطاءه الأموال والجواهر، وأمره بإحضار الملاهي والمغنيين من سائر البلاد، وانظر في ذلك: تاريخ الطبري (٨/ ٣٦٥ - ٤٧٨ - ٥٠٨)، البداية والنهاية (١٠/ ٢٤١ - ٢٤٢)، تاريخ الخلفاء (٢٢١ - ٢٢٢)، الكامل لابن الأثير (٥/ ٤٥٦)، مروج الذهب (٤/ ٢٢٦)،