صورة من تدهور الخلافة العباسية
  وكان المستعين حينئذٍ في بغداد، فحوصر من قبل أعوان المعتز حصاراً شديداً، ووقع خلال ذلك معارك دامية، وقتل فيها الآلاف من الأتراك وأهل بغداد، وأخيراً اضطر المستعين إلى القبول بخلع نفسه، واشترط لنفسه ولقواده شروطاً وقَّع عليها المعتز، ودخل المعتز بغداد، وبايع له المستعين، وكان دخوله بغداد في المحرم سنة ٢٥٢ هـ، وخطب له فيها، وفي ذلك يقول أحد الشعراء(١):
  خُلِعَ الْخَلِيفَةُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ... وَسَيُقْتَلُ التَّالِي لَهُ أَوْ يُخْلَعُ
  وَيَزُولُ مُلْكُ بَنِي أَبِيهِ وَلَا يُرَى ... أَحَدٌ تَمَلَّكَ مِنْهُمُ يَسْتَمْتِعُ
  إِيهًا بَنِي الْعَبَّاسِ إِنَّ سَبِيلَكُمْ ... فِي قَتْلِ أَعْبُدِكُمْ سَبِيلٌ مَهْيَعُ
  رَقَّعْتُمُ دُنْيَاكُمُ فَتَمَزَّقَتْ ... بِكُمُ الْحَيَاةُ تَمَزُّقًا لَا يُرْقَعُ
  وبعد أشهر من ولايته خلع أخاه المؤيد من ولاية العهد، وكان المؤيد في الحبس، وبعد أيام مات المؤيد في محبسه، قيل: إنه أقعد في ثلج حتى جمد، وقيل: إنه خنق في لحاف أمسك طرفاه. وفي الوقت نفسه أمر المعتز بقتل المستعين فقتل وحمل رأسه إليه(٢).
(١) الكامل (٦/ ٢٣٤)، تاريخ الطبري (٩/ ٣٥٠)، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (٣/ ٢٣٧) وذكر فيه أن الأبيات لحبيب الكاتب المعروف بالحاسة.
(٢) قصة خلع المعتز لأخيه المؤيد بعد حبسه وضربه، ثم قتله في محبسه في مروج الذهب (٤/ ٩٠)، وقبل هذا ذكر قتل المستعين (٤/ ٧٩) فقال: ولما كان في شهر رمضان من هذه السنة - وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين - بعث المعتز باللّه سعيد بن صالح الحاجب ليلقى المستعين، وقد كان في جملة مَنْ حمله من واسط، فلقيه سعيد وقد قرب من سامراء، فقتله واحتز رأسه وحمله إلى المعتز باللّه، وترك جثته ملقاة على الطريق حتى تولى دفنها جماعة من العامة. وكانت وفاة المستعين باللّه يوم الأربعاء لست خَلَوْنَ من شوال سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وهو ابن خمس وثلاثين سنة، على ما قدمنا في صدر هذا الباب.
=