موقف خالد لجابر بن عبد الله ¥ (ت 73 هـ):
  لا يجيب حبيبه، ثم قال: وأنَّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك(١) على أشباحك(٢)، وفرق بين بدنك ورأسك، فأشهد أنك ابن خير النبيين، وابن سيد الوصيين، وابن حليف التقوى، وسليل الهدى، وخامس أصحاب الكساء، وابن سيِّد النُقباء، وابن فاطمة سيدة النساء، وما بالك ألَّا تكون هكذا وقد غذتك كَفُّ محمدٍ سيد المرسلين، وربيت في حجور المتقين، ورضعت من ثدي الإيمان، وفطمت بالإسلام، فطبت حيّاً وطبت ميتاً، غير أن قلوب المؤمنين غير طيبة لفراقك، ولا شاكة في الخيرة لك، فعليك سلام الله ورضوانه، فأشهد أنك مضيت على ما مضى عليه يحيى بن زكريا.
  قال عطية: ثم جال ببصره حول القبر، فقال: السلام عليكم أيتها الأرواح الطيبة التي حلَّت بفناء الحسين #، وأناخت برحله، أشهد أنكم أقمتم الصلاة، وأديتم الزكاة، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.
  والذي بعث محمداً ÷ بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه.
  قال عطية: فقلت لجابر بن عبد الله: وكيف! ولم تهبط وادياً، ولم تَعْلُ جبلاً، ولم تضرب بسيف، والقوم فُرِّقَتْ بين رؤوسهم وأبدانهم، فأيتمت الأولاد وأرملت الأزواج؟
  فقال: يا عطية، سمعت حبيبي رسول الله ÷ يقول: «من أحبَّ قوماً حُشِر معهم، ومن أحبَّ عمل قوم أشرك في عملهم»، اُحْدُرنِي نحو بيوت كوفان.
(١) قال في لسان العرب: شَخَبَ أَوداجَه دَماً، فانشَخَبَت: قطَعَها فسالتْ. اهـ
(٢) قال في لسان العرب: الشَّبَحُ: مَا بَدَا لَكَ شخصُه مِنَ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ. يُقَالُ: شَبَحَ لَنَا أَي مَثَلَ؛ وأَنشد: «رَمَقْتُ بِعَيْنِي كلَّ شَبْحٍ وحائلٍ». الشَّبْحُ والشَّبَحُ: الشَّخْصُ، وَالْجَمْعُ أَشباح وشُبوح. وَقَالَ فِي التَّصْرِيفِ: أَسماءُ الأَشباحِ، وَهُوَ مَا أَدركته الرُّؤْيَةُ والحِسُّ. اهـ