فصل [في الآجال وحقيقتها]
  (قالوا: يلزم) من ثبوت الأجلين ثبوت (آجال) كثيرة.
  (قلنا: لا دليل على غيرهما) أي: المسمَّى والخرم (فلا يلزم) ما ذكروه.
  وقالت (المجبرة) القول بأن القتلَ خرمٌ (يكشف عن الجهل في حق الله تعالى؛ إذ قَطَعَ القاتلُ أجلَهُ) المسمى الذي زعمتم أن المقتول لو سلم من القتل لعاش حتى يبلغه.
  (قلنا: لا) يكشف عن الجهل في حقه تعالى (لأنَّ الله سبحانه عالمٌ بالبقاء) أي: بقاء الحيِّ إلى أجله المسمى (وشرطِهِ) أي: شرط البقاء (وهو: ترك الجناية) عليه من الجاني، (و) عالم بـ (القتل وشرطه وهو: حصول الجناية) من الجاني عليه (فلم يكشف عن الجهل في حقه تعالى إلَّا لو كان لا يعلم إلَّا البقاءَ وشرطَه فقط) دون القتلِ وشرطِهِ.
  (ألا ترى أن قتلَ الخضرِ # الغلامَ لم يكشف عن الجهل في حقه تعالى حيثُ علم أنه يُرهق أبويه طغياناً وكفراً لو تركه الخضر #) ولم يقتله كما أخبر الله تعالى، فقد علم سبحانه البقاءَ وشرطَه، وعلم القتلَ وشرطَه، فلم يجهل سبحانه أيَّ الأمرين.
  (قالوا:) أي: المجبرة (قال الله تعالى: {قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}) [آل عمران: ١٥٤]، فدل ذلك على أنه لو لم يُقتل لمات قطعاً والضمير في كنتم راجع إلى المؤمنين.
  (قلنا:) ليس كما زعمتم، بل (معنى الآية الشهادة للقتلى رحمهم الله بصدق إيمانهم، وبامتثالهم لأمر الله تعالى) والضمير في كنتم راجع للمنافقين (أي: لو كنتم أيها المنافقون في بيوتكم متخلفين، وعن الحرب مُثَبِّطين لم يكن القتلى من المؤمنين رحمهم الله تعالى بمتخلفين مثلكم اقتداءً بكم، ولا سامعين لكم أن تثبطوهم بدليل أول الكلام، وهو قوله تعالى حاكياً عنهم) أي: عن المنافقين ({يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأمر شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا}) [آل عمران: ١٥٤] أي: لو كان الأمر باختيارنا ما خرجنا ولا قتلنا في أُحُدٍ اعتقاداً منهم أن الدائرة للكافرين على المؤمنين، فهذا هو ظاهر الآية الكريمة، وليس فيها نفي الأجل المسمى كما زعمتم، وإنما فيها الإخبار بأنهم سيخرجون ويُقْتَلون في جهادهم.