فصل [في أحكام اللطف]
فصل [في أحكام اللطف]
  (وما يفعله الله تعالى قطعاً لا يُقال: بأنه واجبٌ عليه تعالى؛ لإيهامه التكليف) أي: لإيهام كونه تعالى مكلفاً بذلك الواجب الذي فيه تحميل الكُلفة والمشقة، وما أوهم الخطأ فلا يجوز إطلاقه عليه تعالى، (ولأنَّ الطاعاتِ شكرٌ) لله (لما يأتي إن شاء الله تعالى) في كتاب النبوة، (والثواب) الذي زعموا وجوبه على الله (تَفَضُّل مَحْضٌ) أي: خالص عن شائبة الوجوب، وإن كان الثواب في مقابلة الطاعة فهو على سبيل التفضل حيث جعله الله في مقابلة عمل يسير.
  (ولأن خلقه للحيوان كإحضار قوم محتاجين إلى الطعام، وإعدادَه للجزاء) للمكلفين (كنصب مائدة سَنِيَّة، وامتحانَهم) بالتكاليف والآلام والمحن ونحو ذلك (كجعل الطريق إليها، وتمكين المكلف) من فعل ما كُلِّف به (كتيسير تلك الطريق، وفعل الألطاف كنصب العلامات كي لا يسلك غيرها، وإرسالَ الرُّسل كالنداء إليها، وقبولَ توبة التائبين كإعتاب من أباها) أي: قبول عذر من اعتذر عن إبائه لها ورجع إليها، (فكما أن فعل ذلك تفضُّلٌ في) حكم (العقل) من صاحب المائدة على المحتاجين (فكذا هذا(١)) الذي زعم المخالفُ وجوبَه على الله تعالى.
  (وأمَّا التناصف) الذي زعموا وجوبَه على الله تعالى (فهو بعد ثبوت كون التخلية) بين الظالم والمظلوم (من الامتحان) الذي هو عرض على الخير كالآلام، فالتناصف حينئذٍ (مَزِيْدُ تفضُّل محض) على من أنصفه تعالى من ظالمه؛ لأن الله لعدله وحكمته لا يُخلِّي بينهما إلا لمصلحة تزيد على مقدار ضرره من الظالم؛ (لأنَّ الامتحان تفضل كما مرَّ فهي) أي: التخلية (حسنةٌ كالفصد) لدفع الضرر (ولا شيء على الفاصد ضرورة غيرَ الفعلِ المطلوب منه) وهو الفصادة (إذا كان بصيراً؛ لأنَّه محسنٌ عند العقلاء، و {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ}) [التوبة: ٩١] فثبت بما ذكرناه عدم وجوب التناصف وغيره على الله سبحانه وتعالى.
(١) لفظ المتن لفظ المتن: في نسخة «ب»: «فكذلك هذه». وفي الشرح كما في الأصل. تمت.