فصل
  الامتثالَ لأمره وجبت الشرائع، (فلو كانت لطفاً) في العقليات كما زعموا (لم تجب؛ لأنَّ الحكيمَ لا يُوجب ما لا يجب).
  (قالوا: قد ثبت أنه لا يجوز العقاب) من الله سبحانه للمكلفين (ابتداءً) أي قبل أن يعلموا بشرعيتها (على الإخلال بها اللازم) ذلك العقاب للمخل بها (من شرعيتها) أي: من إيجاب الشارع لها، وإذا لم يجز العقاب ابتداء ثبت كونها لطفاً، ولو كانت شكراً كما زعمتم لزم العقاب ابتداءً على الإخلال بها؛ لأنَّ وجوبَ الشكرِ معلومٌ عقلاً.
  (قلنا: إنَّما لم يجز) عقاب المكلف ابتداء (حيثُ لم يكن مأموراً بفعلها، فلم يخلّ بالامتثال كما أن العبد إذا أخل بما لم يأمره به سيده لم يكن مُخِلاً بالامتثال).
  (و) لنا (أيضاً) أنها (وردت الرُّسلُ À) بشرعيتها (مع مقارنة التخويف) لمن أخل بها، وما ذلك إلا لأجل وجوبها وكونها شكرا (فلو كانت ألطافاً كذلك لَقَبُحَ التخويف؛ لأنَّ الألطاف ليست بواجبة، إذ التخويف لا يكون إلَّا على واجب).
  (قالوا: إنَّما اقترنت بالتخويف؛ لتجويز الجهل) من المكلفين (ببعض المصالح).
  (قلنا: لم تخبر به الرسل) أي: لم تخبر بذلك الذي جُوِّزَ جهلُه من المصالح (وإن سُلِّم لزم القول بوجوب العلم على كل مكلف أنَّه لا بُدَّ من رسول كقولنا؛ لينبئ عن الله تعالى بذلك المجهول) الذي فعلُه مصلحةٌ لنا، (إذا كان) فعله (واجباً؛ إذ لم يُعرف إلَّا بإخبار الرسل، والحكيم لا يترك ما شأنه كذلك) أي: ما شأنه الوجوب وهو مجهول عند المكلف (هَمَلاً) أي: منسياً لمنافاته الحكمة، (وإلَّا) أي: وإن لم يقولوا بأن البعثة يجب العلم بها عقلاً (لقَبُح) ذلك التخويف (حيثُ لم يكن) فعل ذلك المُجَوّز (واجباً) إذ التخويف على ما لم يجب قبيح، (كما مرَّ) ذكره.
  (و) اعلم أنَّه (لا خلاف في حسنها) بعد وقوعها (بين الأُمّة).