فصل [في بيان الحق في الظني من الفروع]
  (وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[آل عمران: ١٠٥]، وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: ١٥٩]، ولم تفصل هذه الآيات) بين ما كان من أُصول الدين وفروعه، ولا بين القطعي والظني.
  (و) لنا أيضاً من السُّنَّة (قوله ÷ «لا يختلف عالمان ولا يقتتل مسلمان» ولم يفصل) أيضاً كذلك، (و) يؤكد قولنا إنه (لم يثبت جوازه) أي جواز التفرق والاختلاف (في كل شرائع الأنبياء $ بدليل قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣] ولم يفصل) بين الأصول والفروع، ولا بين المتقدمين والمتأخرين في توصيتهم بالدين ألَّا يتفرقوا فيه.
  (و) لنا أيضاً (قوله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً(١) فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}) أي: حسداً وظلماً ({فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم}) [البقرة: ٢١٣].
  (بيان الاستدلال بهذه الآية: أنَّ) لفظَ ({النَّبِيِّينَ} عامٌ لكل نبيٍ) لأنَّ اللَّامَ فيه للجنس فأفادت العموم (ونبينا ÷ سيِّدهم، والكتاب في قوله تعالى: {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ} عامٌ) لكل كتاب أنزله الله، وإن كان لفظهُ مُفرداً (بدليل أنَّ الكُتبَ مع الأنبياء كثيرةٌ، ونظيره) أي: نظير الكتاب في إفادته العموم وهو لفظ مفرد (قوله تعالى: {وَالْعَصْر ١ إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْر ٢}) فالمراد به كل إنسان (بدليل صحة الاستثناء، و) إذا كان الكتابُ عاماً لكل كتاب فـ (القرآن واسطة عِقْدِهَا الثمين) أي: المُعَظَّم من بين تلك الكتب فهو فيها كواسطة العِقْد وهو القلادة من جواهر وغيرها؛ لأنَّ الواسطةَ تكون أعظم جوهراً من سائر خرز العِقْدِ.
(١) قال في البرهان: يعني عشرة قرون بعد آدم كانوا على الحق ثمَّ اختلفوا. وفي الكشاف: عن ابن عباس أنه كان بين آدم وبين نوح عشرة قرون على شريعة من الحق.