فصل [في حقيقة النظر وما يجب منه وأقسامه]
  قال (أئمتنا $ وصفوةُ الشيعةِ والمعتزلةُ وغيرُهم: والصحيح منه) أي: من النظر (واجب عقلاً وسمعاً خلافاً للتَّعلمِيَّة) وهم فرقتان من الباطنية وغيرهم، وهما: القرامطة والصوفية، فهؤلاء يقولون: إنَّ النظرَ والاستدلالَ بدعةٌ.
  (قلنا) جواباً عليهم: (جهل المُنْعِم مستلزم للإخلال بشكره على النِّعَمِ؛ لأنَّ توجيهَ الشكر إلى المنْعِم مترتب على معرفته ضرورة، والعقلُ يقضي ضرورةً بوجوبِ شكر المنْعِم وبقبح الإخلال به، فوجبت معرفته سبحانه لذلك) أي: لأجل شكره.
  (ومعرفته لا تكون إلَّا بالنظر؛ لامتناع مشاهدته تعالى، كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى، وما لا يتم الواجب إلَّا به يجب كوجوبه، وإلَّا وقع الخلل في الواجب، وقد قضى العقلُ بقبحه) أي: قبح ترك الواجب (فتأمله) فإنَّه يوضح لك الحق.
  (و) أمَّا دلالة السمع فـ (قوله تعالى: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}[الغاشيه: ١٧] الآية ونحوها).
  (قالوا) أي: التعلميَّة: (لا يدرك بالعقل إلَّا الضروريات فقط، فيدرك الإمام أو الشيخ) أي: إمام القرامطة أو شيخ الصوفية يدركان (ما يناسب حروف القرآن) من المعاني والأحكام (وغيرَه) أي: غير المناسب (من سائر المغيبات ضرورة، ثم يُعَلِّمَانِه) الناس.
  (قلنا: العلم بأنّا ندرك بالنظر ضروري، كالعلمِ بأنَّا نَروى بالماء ونَشبع بالطعام).
  (وقولكم: يدرك الإمامُ أو الشيخُ ما يناسب حروف القران وغيرَه من المغيبات ضرورةً - مجردُ دعوى منهما عليكم بلا دليل) على صحة دعواهما (حيثُ لم تدركوا أنتم ذلك) أي: المناسب والغائب (ضرورةً مثلهما، ولم تنظروا في صحة دعواهما؛ لبطلانه) أي: النظر (عندكم، وكل دعوى بلا دليل لا شك في بطلانها، وإلَّا) تكن باطلةً (فما الفرق بين دعواهما، ودعوى من يقول: المناسب والغائب خلاف ذلك؟) الذي ادعاه الإمام أو الشيخ.
  وقالت (المجبرة: لا يجب) النظر (إلَّا سمعاً) بناءً منهم على إنكار تحسين العقل وتقبيحه.