باب [في ذكر القيامة]
  (قيل: لو كان الصُّور) وضع (لجميع الصُّوَر لما صحَّ إفراد الضمير في قوله تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُون}) [الزمر: ٦٨].
  (قلنا: ذلك) أي: إفراد الضمير (جائزٌ في العربية إجماعاً، في نحو هذا الجمع خاصة، يقال: الصوف نفشته) والبسر أكلته، فهذا الجمع جارٍ مجرى المفرد، وقد جاء إفراد الضمير في الجمع أيضاً في قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ}[النحل: ٦٦].
  (والناقور: مجازٌ. شَبَّه الله تعالى دعاءهم) أي الخلائق (إلى المحشر بالنقر في الناقور، وهو) أي: الناقور في اللغة (آلة نحو الطبل يُنقر فيها لاجتماع القوم، وعند نهوض الجيش).
  (وقيل: بل) الناقور (هو القرن) الذي سبق ذكره.
  (لنا: ما مَرَّ) من أنه لا دليل عليه، وإنما هو كناية عن حلول وقت البعث والنشور.
باب [في ذكر القيامة]
  (والقيامة: اسم لوقت البعث والنشور والحساب والجزاء) للخلق على أعمالهم.
  (ووجه حسنه حصول العلم البت للمكلفين بالله تعالى، وأنَّ الصائر إليهم) من الثواب والعقاب (جزاءٌ) على أعمالهم، وذلك (لكشف الغطاء بالآيات الموجبة للقطع بذلك منذ الممات حتى الحشر) أي: يرون الآيات متتابعة منذ مماتهم حتى حشرهم وحسابهم.
  (قال الله سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}) [فصلت: ٥٣] أي: يتبين لهم أنه سبحانه الحق، وأن ما وعَدَ وأوعد به صدقٌ (فتتم حينئذٍ غبطة المطيعين، وتعظم حسرة الُمصِرين، ولذلك) أي: ولأجل تمام الغِبْطَة والحسرة (لم يُعَجِّل اللهُ كلَ الجزاء في الدنيا) وأمَّا بعضه فيجوز إيصال شيء منه لا يُعتد بنقصانه في الآخرة، وإنما لم يجعل الله كل الجزاء في الدنيا؛ (لعدم تمامه بعدم القطع بكونه جزاءً للمكلفين) من الله تعالى على أعمالهم (ولتنغيصه بانقطاعه في حق غيرهم) أي: غير المكلفين؛ (إذ لا بُدَّ من الفناء والإعادة لذلك) أي: ليقع القطع بالجزاء، (كما مرَّ) في فصل فناء العالم.