باب [الاسم والصفة]
  (وعبَّر ø عن نعمته في الثانية) وهي قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} (بكلمة اليدين؛ لتشاكلَ كلمةَ اليدِ فيما حكاه الله تعالى عن اليهود حيث قالوا: {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}) [المائدة: ٦٤] ومعنى: مغلولة أي: مقبوضة عن العطاء. قال في الكشاف: وليس قصدهم الجارحة وإنما قصدوا الكناية عن البخل، (ونظيره: قلت اطبخوا لي جُبَّةً وقميصا) في البيت السابق، فالمشاكلة هنا في القول تحقيقاً.
  (وقوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر: ١٤] كالأول) أي: المشاكلة في القول تقديراً؛ لأنه (عبَّر عن حفظه تعالى للسفينة بقوله: {بِأَعْيُنِنَا} مشاكلة لكلمة العين المقدَّرة الخاطرة بذهن السامع؛ لمَّا كان لا يتم حفظ مثلها لأحد في الشاهد إلَّا بمتابعة إبصارها بالعين) الجارحة.
  (وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] كالثاني) أي: تحقيقاً.
  (وقوله تعالى حاكياً: {يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ}[الزمر: ٥٦] من المجاز أيضاً) لتعذر حمله على الحقيقة؛ (لأن الجَنْبَ هنا عبارة عن الطاعة، والعلاقة) بين الطاعة و الجنب (تسمية الحالِّ) وهو الطاعة (باسم محله) وهو الجنب والجهة؛ لأنَّه لا بُدَّ للطاعة من محل وجهة تفعل فيها (والمحل غير الله تعالى) وإنما هو من تسمية الحال باسم محله (لأن ذلك تعبير عن الطاعة بكلمة الجنب، الذي هو الجهةُ الحاصلةُ تلك الطاعة منها؛ لأن الجنب يطلق على الجهة) حقيقة، كما يقال: أخصب جناب القوم أي جهتهم، وأنشد الأخفش شعراً: النّاسُ جَنْبٌ والأمِيرُ جَنْبٌ أي الناس جهة والأمير جهة، وكما (قال الشاعر:
  كأنَّه خارجاً من جَنْبِ صَفحته ... سَفُّودُ شَرْبٍ نَسَوْهُ عند مفتأد)(١)
  (أي: من جهة صفحته، وأضيف) أي: الجنب (إلى اسم الله تعالى لأنه صار عبارة عن طاعته تعالى) فكما تضاف الطاعة إلى الله تعالى، كذلك يضاف إليه ما هو عبارة عنها.
(١) يصف الشاعر قرن ثور الوحش خارجاً من جنب [أي من جهة] صفحة كلب الصيد حين أرسله على الثور فنطحه، كأنَّه: سَفُّودُ شَرْبٍ نَسَوْهُ عند مفتأد؛ فالسَفُّودُ: الحديدة التي يشوى بها اللحم، والشَرْب: الجماعة من الناس يجتمعون على الشراب، والمفتأد: التنور والموضع الذي يشوى فيه اللحم. تمت من كتاب عدة الأكياس بتصرف.