التحفة السنية شرح المقدمة الآجرومية،

محمد محيي الدين (المتوفى: 1393 هـ)

تمرين

صفحة 16 - الجزء 1

  وَأقول: الْإِعْرابُ لهُ معنيانِ: أحدُهُمَا لُغوِيٌّ، والآخرُ اصْطِلاحِيٌّ.

  أمَّا معنَاهُ فِي اللُّغَةِ فهُوَ: الإظهارُ والإبانَةُ، تقُولُ: «أَعْرَبْتُ عَمَّا فِي نَفْسِي»، إذَا أَبَنْتَهُ وَأَظْهَرْتَهُ.

  وأمَّا معنَاهُ فِي الاصْطِلاحِ فهُوَ مَا ذكرَهُ المُؤلِّفُ بقولِهِ: «تغْيِيرُ أَواخِرِ الكَلِمِ - إلخ».

  والمقصودُ مِن «تغْييرِ أواخرِ الكَلِمِ» تغْيِيرُ أحوالِ أواخرِ الكَلِمِ، ولا يعقلُ أن يُرادَ تغييرُ نفسِ الأواخرِ، فإنَّ آخِرَ الكلِمَةِ نفسَهُ لا يتغيَّرُ، وتغييرُ أحوالِ أواخِرِ الكلِمَةِ عبارةٌ عن تَحوُّلِهَا من الرَّفعِ إلَى النَّصْبِ أو الجَرِّ: حقيقةً، أوْ حُكماً، ويكونُ هذَا التَّحوُّلُ بسببِ تغييرِ العواملِ: مِن عامِلٍ يقتضِي الرَّفعَ عَلَى الفاعليَّةِ أوْ نَحْوِهَا، إلَى آخَرَ يقتضِي النَّصْبَ عَلَى المفعوليَّةِ أوْ نحوِها، وَهَلُمَّ جرّاً.

  مثلاً إذَا قلْتَ: «حَضَرَ مُحَمَّدٌ» فمُحمَّدٌ: مرفوعٌ؛ لأنَّهُ مَعمُولٌ لعاملٍ يقتضِي الرَّفعَ عَلَى الفاعِليَّةِ، وهذَا العَامِلُ هُوَ «حَضَرَ»، فإنْ قلْتَ: رَأَيْتُ محمَّداً. تغيَّرَ حالُ آخِرِ «مُحَمَّد» إلَى النَّصبِ؛ لتغيُّرِ العاملِ بعاملٍ آخرَ يقتضِي النَّصْبَ، وهُوَ «رأيْتُ»، فإذَا قلْتَ «حَظِيتُ بِمُحَمَّدٍ» تغيَّرَ حالُ آخرِهِ إلَى الجَرِّ؛ لتغيُّرِ العَامِلِ بعَامِلٍ آخَرَ يقتضِي الجرَّ وهُوَ الباءُ.

  وإذَا تأمَّلْتَ فِي هذِهِ الأمثْلِةِ ظهرَ لكَ أن آخِرَ الكلِمَةِ - وهُوَ الدَّالُ مِن محمَّدٍ - لَمْ يتغيَّرْ، وأنَّ الذي تغيَّرَ هُوَ أحوالُ آخرِهَا: فإنَّكَ تراهُ مرفوعاً فِي المثالِ الأوَّلِ، ومنصوباً فِي المِثالِ الثَّانِي، ومجروراً فِي المِثالِ الثَّالثِ.

  وهذَا التَّغييرُ مِن حالةِ الرَّفعِ إلَى حالةِ النَّصْبِ إلَى حالةِ الجرِّ، هُوَ الإعرابُ عنْدَ المُؤلِّفِ ومَنْ ذهبَ مذْهبَهُ، وهذِهِ الحركاتُ الثَّلاثُ - التي هِيَ: الرَّفعُ، والنَّصْبُ، وَالْجَرُّ - هِيَ علامةٌ وأَمَارةٌ عَلَى الإعْرَابِ.

  ومثلُ الاسْمِ فِي ذلكَ الفِعْلُ المُضَارِعُ، فلوْ قلْتَ: «يُسَافِرُ إِبْرَاهِيمُ» فيسافرُ: فعلٌ