سورة الزمر
  يُؤْمِنُونَ ٥٢ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣ وَأَنِيبُوا
  (٥٢) {أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} ليس يكسب المال بالذكاء والدهاء ولكن الله هو الذي إن شاء بسط الرزق وإن شاء قدره أي نقصه، فإذا جاءت النعمة فهي منه لا دخل لعلم الإنسان وخبرته فيها.
  {إِنَّ فِي ذَلِكَ} بسط الرزق وتقديره {لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هذا صدق وحق، والواقع دليل عليه، حيث نرى بعض الناس تتسهل له أسباب الرزق وبأدنى سبب نرى أمواله تجتمع وتكثر بغير عناية كبيرة ولا بصيرة، وبعض الناس خبير وحاذق ومدبّر ولكن لا تتيسر له أسباب الرزق فتتعثر خطواته عن بلوغ آماله ولا يحصل إلا على قدر يسير من المال، فهو دليل على أن هناك يداً متصرفة وقدرة مدبرة تبسط وتقدر وهذه من آيات الله.
  (٥٣) {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} هذا ابتداء كلام وهو دعوة إلى التوبة والرجوع إلى الله من قبل الذين قد أسرفوا، سواء المشركين الذين قد أسرفوا ووأدوا البنات وفعلوا جرائم كثيرة، أو غيرهم من مرتكبي الذنوب مهما عظمت فلا يجوز أن يقنطوا من رحمة الله لأنه يقبل التوبة يقبل من رجع إليه ولو كانت الذنوب كثيرة وكبيرة.
  {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} برحمته حين يرجع إليه لا تمنعه كثرة الذنوب من المغفرة {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} كثير المغفرة والرحمة لكن ليس الغفران والرحمة بغير رجوع إليه وتوبة، بل هي مثل قول الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}[الأنعام: ٥٤] ثم فسرها بقوله: {أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[الأنعام: ٥٤] فكذلك هنا، ولهذا نراه أردفها بقوله تعالى بعدها مباشرة: