التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة الأنعام

صفحة 411 - الجزء 2

سورة الأنعام

  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ١ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى


  تفسير (سورة الأنعام)

  قال الشرفي في (المصابيح): «مكية غير ست آيات فإنها مدنية، وهي قوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ...} إلى آخر الآيات، ومثل هذا في (البرهان)» انتهى من (المصابيح) وذكر أنها نزلت جملة واحدة.

  (١) {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ} هو المستحق للحمد {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} وذلك دليل على قدرته التي لا تساويها قدرة ولا تقاربها، وعلى سعة علمه وإحاطته بكل شيء، لأن صنعه محكم، والإحكام دليل على العلم، ولأن الظلمات والنور مقدران بمقادير محكمة تابعة لمقدار حجم الأرض ومقدار سرعة دورتها، ومقدار نسبة المسافة بين الأرض والشمس، خلق ذلك وقدره بقدرته وعلمه نعمة منه على عباده، والمذكور هنا جعل الظلمات.

  فأما تقديرها ففي قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ}⁣[الأنبياء: ٣٣] ولعل جمع الظلمات هنا لتعدد الحجب التي تحجب النور، كما قال تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ}⁣[النور: ٤٠].

  {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} {ثُمَّ} بعد أن دل خلقه على عظمته وجلاله بما خلق وجعل، فـ {الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} بآيات الله وبأنعمه قابلوا ذلك بأنهم {يَعْدِلُونَ} بربهم شركاءهم، أي يجعلونها عديلة لله؛ لأنهم جعلوها آلهة تستحق العبادة بزعمهم.