سورة المنافقون
  ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ٣ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ٤ وَإِذَا قِيلَ
  (٣) {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا} آمنوا في البداية حين قال: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا}[البقرة: ١٧] فكأنهم في البداية قد كانوا آمنوا حقيقة ولكنهم تحولوا ونافقوا، ثم بعد ذلك كفروا {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} فكثرت منهم المعاصي وتكررت حتى طبع على قلوبهم سلبهم الله ألطافه وتركهم في طغيانهم يعمهون {فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ} بسبب أنه قد طبع على قلوبهم فصارت مخذولة كالممنوع دخول الهدى إليها.
  (٤) {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} أجسام فيها كمال يلفت الأنظار بصنع الباري سبحانه {وَإِنْ يَقُولُوا} حين يتحدثون بحضرتك {تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} لأنه كلام فصيح منمق وجميل، فجمعوا بين كمال الأجسام وفصاحة الكلام، فهم فتنة للبسطاء وفاقدي الوعي {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} في تثاقلهم عن طاعة الله، لا يسارعون إليها إذا دعوا إلى الصلاة أو دعوا إلى الجهاد فهم أهل تثاقل كما قال: {وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى}[التوبة: ٥٤].
  {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} لشدة حذرهم من انكشاف جرائمهم للمؤمنين وهم كذلك جبناء، كما قال الله: {وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ}[التوبة: ٥٦] أي يخافون كما أنهم يتوقعون في كل لحظة مهاجمة الكفار للمسلمين. وهم في أوساطهم فينالهم أي أذىً فهم دائماً في توجس من أي صيحة سواء صيحة من المؤمنين أو صيحة من الكافرين يحسبونها كأنها عليهم {هُمُ الْعَدُوُّ} هم العدو الأكبر الأخطر لأنهم يُخربون من الداخل ويطلعون على أحوال المسلمين عن كثب فهم - كما يفهم من الحصر والقصر - العدو الشديد العداوة.