التيسير في التفسير،

بدر الدين بن أمير الدين (المتوفى: 1431 هـ)

سورة المسد

صفحة 606 - الجزء 7

  


  قال الإمام القاسم #: «وتأويل {حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} فقد يكون حملها للنمائم والكذب الذي كانت تكذبه على رسول الله ÷ وتأتي به زوجها وتنقله إليه وتنقله إلى غيره ممَّن كان من الكفر في مثل ما هي وما هو فيه، لتفسد بكذبها وتغري على رسول الله ÷» انتهى باختصار يسير.

  (٥) {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} {جِيدِهَا} عنقها وحبل حاملة الحطب يتصل بجيدها بحيث يؤثر فيه بسبب ثقل الحطب فجعل الحبل في جيدها لشدة تمكنه فيه كقوله: {وَلاصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}⁣[طه: ٧١] وهذا ترشيح لاستعارة حمل الحطب لما يراد به إشعال نار الفتنة من النميمة والكذب، كقول الشاعر:

  لدا أسد شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تُقَلَّم

  قال الإمام القاسم #: «وهذا مثل يضرب لمن يحمل كذباً أو زوراً ليلقي به [بين] الناس عداوة وشروراً» انتهى، وقال في (الكشاف): «وقيل: كانت تمشي بالنميمة، ويقال للمشاء بالنمائم: المفسد بين الناس، يحمل الحطب بينهم» انتهى.

  قلت: وهذا أرجح لأنَّه أنسب للقرآن ذكرُها في خيبتها بسوء عملها، فأما حمل الحطب فهو مباح والناس يحتاجون إليه ولا يعيرون بحمله، فمن البعيد أن تعير به في القرآن الحكيم بدلاً من ذكر جرمها، فظهر: أن حملها للحطب مشيها بالنميمة والكذب؛ لإشعال نار العداوة والفتنة، وإن ذكر الحبل ترشيح للمجاز، وجعله في جيدها وجعل الحبل {مِنْ مَسَدٍ} زيادة في الترشيح، ولعله الغالب في حمل الحطب أن يحمل بحبل من مسد ليسر المسد.

  قال الراغب في (مفرداته): «المسد: ليف يتخذ من جريد النخل، أي من غصنه فيمسد أي يفتل» انتهى، وهو أنسب من تفسير (صاحب الكشاف) للمسد؛ لأجل (من) الَّتِي لبيان الجنس.