كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب الأفعال التي لا تنصرف

صفحة 107 - الجزء 1

  أسبابها فألزمت الماضي. وأما عسى وليس فإنهما جاءا بلفظ المصدر ترجيا ونفيًا للمستقبل فأغنيا بتصرفهما في معانيهما عن تصرفهما في أنفسهما، ولذلك تقول: عسى زيد أن يقوم غدًا، وليس زيد يقوم غدًا، ولو قلت: عسى زيد قام، وليس زيد قام لم يجز ذلك، فأما رواية سيبويه ليس خلقَ الله مثله فإن ذلك شاذ لا يُعتمدُ عليه كما قدمنا.

  فصل: وأمَّا ما الدليل على كونها أفعالاً؟ فمن أربعة أوجه:

  أحدها: أن الضمير المرفوع يتصل بها إلا حبذا، وذلك قولك: لستُ قائما، والزيدون عسوا أن يقوموا قال الله تعالى {لَيْسُوا سَوَاءً}⁣[آل عمران: ١١٣]، و {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ}⁣[محمد: ٢٢]، وتقول: ما أحسن زيدًا، أو نعم رجلاً أخوك. وبئس. غُلامًا عمرو. فيكون في كل واحد ضمير فاعل لا يبرز، أمَّا ضمير فعل التعجب فلعوده على ما وهي مفردة، فكان مثل قولك: زيد يقوم. وأما نعم وبئس، فلأن التمييز قد فسره فأغنى عن ظهوره ولو برز لبرز ظاهرا، مثل: نعم الرجل أخوك، وبئس الغُلام عمرو، وسقط التمييز، فكما لا يجوز استتار التفسير والمفسر لا يجوز اجتماعهما بارزين أيضًا بل يكون كل واحد بظهوره مغنيا عن الآخر، فهذا وجه.

  والوجه الثاني: أنها جميعًا تدلُّ على الأزمنة، وذلك شيء مختص بالأفعال دون الأسماء والحروف كافة وهي من أقوى دلائل الفعل.

  والوجه الثالث: أنها مبنية الأواخر على الفتح كسائر الأفعال الماضية، إلا عسى فهي مُعتلة مثل: رَمَى.

  والوجه الرابع: أنها تفسر الفعل المحذوف وتدلُّ عليه دلالة قوية في باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره، فكما تقول: زيدًا ضربتُ أباه، والمعنى أهنتُ زيدًا ضربتُ أباه، تقول: زيدًا لستُ مثله، أي: نافيت زيدًا لست مثله. ويجوز على بعد زيدًا نِعْمَ الرجل أخوه أي مدحت زيدًا نعم الرجل أخوه، ومثله: زيدًا حبذا قائما أبوه معناه: قربت زيدًا حبذا قائمًا أبوه وهاتان المسألتان لم يُستعملا كثيرًا في