كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب الحال

صفحة 142 - الجزء 1

  الحال، فإذا قلت: جاءني زيد الظريف، أو زيد ظريفا كان في كل واحد منهما ضمير يعود على زيد فيربطه به، وأيضًا فإن في الحال معنى المدح والذم كالنعت من نحو قولك: جاءني زيد عزيزا، ومررتُ بزيدٍ ذليلاً، وهذا كُله في المشتق. فأما الواقع موقع المشتق فنحو قولهم كلمته فما لفم، وبعتُ السلعة بالدينار يدا بيد، وبعتُ الشاة شاة ودرهماً، فالتقدير كلمته مشافهة، وبعتُ السلعة مقايضة أو مناظرة، وبعتُ الشاة مساومة، وقيل: يأتي بعد معرفة أو ما قاربها لأنها بمنزلة الخبر، والخبر لا يكون إلا للمعارف أو ما قاربها، وكذلك للأحوال ومثالها في المعرفة: جاء زيد راكبًا، ورأيته ماشيا ومثالها من المقاربة للمعرفة: جاءني رجل ظريف مسرعًا ومررتُ برجل عاقل واقفًا، وهذا النوع قليل قال الله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ٤ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا}⁣[الدخان: ٤ - ٥] فأمرًا الثاني منصوب على الحال من أمرٍ الأولى، لأنه قد وصفه بحكيم، فقربه بالصفة من المعرفة. وقيل: قد تم الكلام قبلها لأنها فضلة، والفضلة مستغنى عنها بما قبلها، وقلنا: غالبًا احترازًا من الحال التي تقعُ بعد المصدر وتسمى المتممة، وبيانُها يأتي إن شاء الله تعالى. وقيل: يُسأل عنها بكيف، لأن كيف سؤال عن الحال فإذا قال: رأيتُ زيدًا، قلت: كيف رأيته؟ فتقول: صحيحًا، أو سقيمًا. وقلنا: يجاب عنها بفي لأنها مُشبهة بالظرف، ومعنى في الظرفية والوعاء، ألا ترى أنك تقول: كيف رأيت زيدًا، فتقول: في حال صحة أو صحيحًا.

  فصل: والحال ينقسم ثلاثة أقسام: مؤكدة، وموطئة ومتممة.

  فالمؤكدة مثل جاءني زيد مسرعًا، ألا ترى أنك أكدت بمسرع مجيء زيد، وبينت حاله فيه.

  والموطئة مثل قولك: جاءني زيدٌ رَجُلاً صَالِحًا، فرجل منصوب على الحالِ، وقد وطئت بالنعت له بالصلاح؛ لأن النعت والمنعوت كالشيء الواحد، فرجُلٌ وإن كان جامدًا فقد عَمَّه اشتقاق نعته ومنه قول الله - ø {وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا}⁣[الأحقاف: ١٢]، فلسان حال قد وطئت بعربي، كأنه قال: هذا