باب الحال
  فيه، وصار مرفوعًا بهما ارتفاع الفاعل وهو صاحب الحال، وهذا مذهب سيبويه وهو الصحيح وعليه العُمدة، والتقدير زيد استقر عندك مقيما واستقر في الدار مقيمًا، فافهم ذلك فإنَّه من لطيف العربية.
  وأما الجائز فإن العامل في الحال متى كان فعلاً متصرفًا أو ما أشبه المتصرف من أسماء الفاعلين والمفعولين، جاز تقديم الحال عليه وتأخيره عنه، وهو الأصل، مثال ذلك كله جاء زيد راكبًا، وجاء راكبًا زيد، وراكبًا جاء زيد. وتقول في اسم الفاعل: زيد آخذ ماله موفورًا، وزيد موفورًا آخذ ماله. وكذلك اسم المفعول، وإنما قلنا: فعلاً متصرفا احترازًا من فعل لا يتصرف وهو المصدر، لأنه يعمل في الحال النصب إلا أنها لا تتقدم عليه لأنها من صلته، والصلة لا تتقدم على الموصول، مثال إعماله عجبتُ من الضرب زيد عمرًا مظلومًا. ويجوز عجبتُ من الضرب مظلومًا زيد عمرًا، ولا يجوز مظلومًا عجبتُ من الضرب زيد عمرًا إلَّا أن تجعل العامل عجبتُ دون الضرب، فافهم ذلك.
  وقد يجيء الحال من النكرة، وهو ضعيف ما لم تقرب من المعرفة بعطف أو وصف، أو توصل بحرف. والأجود أن يكون تابعًا نعتاً لها، فإن تقدم عليها وجب نصبه على الحال وقوي الوجه الضعيف لأن النعت لا يتقدم على المنعوت، مثال الأول: جاءني رجلٌ مسرع، ويجوز: مسرع عا، ومثال الثاني: جاءني مسرعًا رجل، قال الشاعر: (مجزوء الوافر)
  لِمَيَّة موحشًا طَلل ... يلوحُ كأَنَّه خلل(١)
  وقال النابغة يصف قرن ثور: (بسيط)
  كأنَّه خَارِجًا مِنْ جنبِ صَفْحتِهِ ... سَفُودُ شَرْبِ نسوةٌ عِنْدَ مُفْتَأدِ(٢)
  ويجوز أن يقع المصدر موقع الحال ويكون الناصب لها عاملها مثل: جئتك سعيًا.
(١) البيت لكثير عزة، انظر: ديوانه: ص ٥٠٦.
(٢) انظر ديوانه ص ٤١.