كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب الاستثناء

صفحة 152 - الجزء 1

  أَسْفَلَ سَافِلِينَ ٥}⁣[التين]، و {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ٦}⁣[التين]. والموجب مثل: قام القوم إلا زيدا، وفي حكمه الاستثناء، مثاله ما أكل أحد إلا الخبز إلا زيدًا، والأمر ومثاله: قوموا إلا زيدا، وليقم القوم إلا أخاك.

  وإنما أشبه الموجب من حيث كان الاستثناء منه منفيا وسميت الموجب موجبًا لأنك عزيت صدر الكلام عن النفي وما أشبه مثل: الاستفهام والنهي، وغير الموجب ثلاثة أنواع: نفي، واستفهام ونهي مثال النفي: ما قام أحد إلا زيدا، ومثال الاستفهام: هل قام أحد إلا زيدًا؟ وألحق النهي والاستفهام بالنفي لأنَّ الاستثناء من الجميع موجب.

  والمفرغ مثل: ما قام إلا زيد وهل قام إلا زيد؟ وما رأيتُ إِلَّا زيدًا، ولا مررتُ إلا بزيد. وقيل له مفرغ لأن إلا فرغت الاسم الذي بعدها للفعل الذي قبلها، وشرطه أن يذكر الاستثناء دون المستثنى منه.

  فصل: وأما أحكام الاستثناء فثلاثة أنواع: واجب، وجائز، وممتنع.

  فالواجب: أنَّ الاستثناء متى كان موجبًا، أو في حكمه، أو مقدمًا، أو منقطعًا كان منصوبًا أبدًا، مثل: جاء القومُ إلا زيدًا، وما جاء أحدٌ إلا زيدًا، وما في الدار أحد إلا سارية.

  وفي المنقطع خلاف، فالحجازيون لا يجيزون إلا نصبه كائنا ما كان، وبنو تميم يجيزون اتباعها الأول إذا كان من الأحدين أو تابعًا لهم، فيقولون: ما جاءت العرب إلا فلان الديلمي، وما في الدار أحد إلا حمار بالرفع، فأما إذا كان غير تابع للأحدين كان منصوبًا عند الجميع بلا خلاف بينهم؛ كقولك: ما في الدار أحد إلا سارية. والنصب أجود عندي على أصل الاستثناء؛ لأن رفعه يؤدي إلى اعتقاده بدلاً، وبدلُ الشيء من غيره يكون بدل غلط، فإذا قلت: ما في الدار أحد إلا حمار، كان كقولك: في الدار رجل حمارٌ، والغلط لا يكون القرآن ولا في كلام فصيح، والمنقطع فيهما فافهم ذلك.