باب أحكام أو، والواو، والفاء
  المختلفة في الأفعال كما مثلنا في ما أحسن زيدًا، وزيد، وزيد في المساء، ألا ترى أنه حظر في الأول تناولهما عليه مع النصب معا وأطلق له أن يتناول كل واحد منهما مفردًا، ومنعه منهما في الوجه الثاني مع الجزم، ومن أحدهما وأباح له تناولهما معا في الوجه الثالث مع الرفع مرتين ما لم يجمع بين الأكل والشرب في حالة واحدة، وقصدنا هاهنا للنصب، قال سابق البريري: (كامل)
  لا تنه عن خُلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
  فإذا جريت مع السفيه كما جَرَى ... فكلاكُما في جريه مذموم(١)
  ومثله قول الآخر: (بسيط)
  قتلت عمرًا وتستبقي بزيد لقد ... أتيت أمرًا يجرُّ الويل والحربا
  لا تقطعن ذنب الأفعى وتُرسلها ... إن كُنت شهما فأتبع رأسها الذنبا(٢)
  أراد: وأن تأتي وأن ترسلها، وهذا التمثيل في النهي. وتقول في الاستنكار عن الجمع بين الشيئين: لا أحب الصالحين، وأعمل خلاف عملهم، ولا أذم المفسدين وأقتدي بهم وأن أقتدي بهم، قال دريد بن الصمة: (طويل)
  قتلت بعيد الله خير لداته ... ذُوابًا وَلَم أفرح بذاك وأجزعا
  أي: وأن أجزع، وأصل هذه الواو العطف على تقدير: وأن أفعل، فحذفت أن وأقمت الواو مقامها فدلت عليها، وأصرفت العمل إلى نفسها فصارت العاملة دون أن لأنه لا يجوز إعمال الحروف محذوفة، فأما قول المتنبي: (كامل)
  بيضاء يمنعُها تَكلَّمَ دَلُّها ... خفراء يمنعها الحياء تميسا(٣)
  فإنَّه لحن، أو شبيه به لأنه أراد أن تكلم وأن تميس، فأضمر أن وعملها وهو ضعيف جدا، والغالب عليه أنَّه لا يجوز في الحقيقة، فإن اعتل له معتل بأنه أدخل نون التأكيد الخفيفة ضرورة، وأراد تكلمن وتميسن فبنى على الفتح ولم يُضمر شيئًا،
(١) نسبه المرزباني في المعجم إلى المتوكل الليثي: ٤٠٩، ٤١٠.
(٢) البيتان لأبي أذينة اللخمي، انظر: المفيد في أخبار صنعاء وزبيد: ٢٠٧، ٢٠٨.
(٣) انظر: ديوان المتنبي: ١/ ٣٨٤.