كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره

صفحة 267 - الجزء 1

  مقام الفاعل. وكذلك لو لم يظهر الضمير نحو زيد رجل ضربت، قال الشاعر:

  أبحتَ حِمَى تِهامةَ بَعدَ نَجْدِ ... وماشيءٌ حَميتَ بِمُستباح⁣(⁣١)

  لأنَّ شيئًا مبتدأ، وحميت نعت له، وبمستباح خبره.

  فصل: وأما الضرب الثاني الذي يجبُ فيه النصب ويمتنع الرفع فهو كل ما جاء من هذا النوع أخيرًا وفي صدر الكلام حرف نسق، أو كان ضمير المفعول فيه غير بارز مثل قولك: زيدًا ضربته وعمرًا أكرمته فنصب عمرو واجب. قال الله تعالى: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا ٢٧}، ثم قال: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ٣٠}⁣[النازعات] فنصب الأرض لدلالة حرف النسق على الفعل لأنه يدل عليه دلالة قوية. ويكون التقدير ودحاها ولو رفع الأرض عطفا على السماء لاختل المعنى لأن الأرض لا تسمى بناء. والواو تشرك في اللفظ والمعنى. فلا يجوز والسماء بناها. والأرض بناها لأن البناء عند العرب السقف، ومثله قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ٣١}⁣[الإنسان] تقديره: ويُعذب الظالمين أعد لهم، ولا يجوز عطف الظالمين على من يشاء لأن الظالمين لا يدخلون في الرحمة. ولما تعذر اشتقاق يُعذب من لفظ أعد اشتقت من معناه، وذلك جائز لقولهم: زيدًا ضربت أباه تقديره: أهنتُ زيدا، ضربتُ أباه وهذا شيء عرض ونعود إلى الفصل، قال الشاعر: (منسرح)

  والذئب أخشاه إن مررتُ بهِ ... وَحْدي وأخشى الرياح والمطرا⁣(⁣٢)

  وكذلك لو كان الضمير غير بارز لنصبت وإن لم يكن هناك حرف نسق. تقول: زيدًا أضربُ وعمرًا أكرمُ. ويجوز الرفع في هذا وحده وهو ضعيف جدا لقوة الفعل ولذلك قُلنا غالبًا احترازًا من هذا بعينه.

  فصل: وأمَّا الضرب الثالث الذي يَحْسن فيه النصب، ويجوز الرفع؛ فهو كل


(١) البيت لجرير انظر: ديوانه: ٧٧٦.

(٢) البيت للربيع بن ضبع الفزاري جاهلي معمر انظر: الجمل للزجاجي ٥٢.