باب أحكام الفعلين اللذين يذكر معهما معمول واحد فيبتدرانه
  ويقدرون للأول معمولاً إن احتيج إلى ذلك وحجتهم أنه أقرب الفعلين إلى الاسم فلا يلغى لما قبله لاستيثاره بالرتبة. وأهل الكوفة يعملون الأول وحجتهم أنه أسبق الفعلين والثاني طارئ عليه فهو أحق بالعمل منه. وقول البصريين أوسع في كلام العرب والثاني موجود إلا أنه دونه. وأكثر ما يُستعمل في الشعر.
  فصل: فإذا جئتَ بفعلين مُتعديين على القول البصري قلت: نفعني وشكرتُ زيدًا فتنصب زيدًا بشكرت، وقدرت لنفعني فاعلاً مستترا؛ قال الله تعالى: {آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ٩٦}[الكهف] فنصب قطرا؛ بأفرغ ولو نصبه بآتوني لقال آتوني أفرغه عليه قطرا. لأنَّ التقدير أتوني قطرًا أفرغه عليه. وقال تعالى: {تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: ٥] فأعمل الثاني ولو أعمل الأول لقال: تعالوا يستغفره لكم رسول الله. وقال الفرزدق: (طويل)
  ولكن نصفًا لَو سببتُ وسَبَّنِي ... بَنُو عَبدِ شَمْسِ مِنْ منَافٍ وهاشم(١)
  فقال سَبَّني بنو عبد شمس، ولو أعمل الأول لقال وسبوني بني عبد شمس وقال كثير:
  قَضَى كل ذي دين فوقي غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها(٢)
  ولو أعمل الأول لقال: فوفاه غريمه؛ أي: قضى غريمه فوفاه. فإن جئت بلازمين قُلتَ: صَلَى وصام زيد وصليا، وصام الزيدان، وصلوا وصام الزيدون تفرغ الفعل لأنك تعمله في الظاهر وتقدر للفعل الأول فاعلاً فإن كان اللازم يتعدى بحرف جر أوجبت بفعلين، أو أفعال بعضها يتعدى وبعضها لا يتعدى إلا بواسطة لقلت في إعمال آخرها كما صليت وباركت ورحمت وترحمت على إبراهيم. ولو أعملت الذي قبله لقلت: صليت وباركت ورحمت وترحمت عليه إبراهيم. ولو أعملت باركت لقلت كما صليت وباركت فيه ورحمته وترحمت عليه على إبراهيم
(١) البيت في ديوانه: ١/ ٨٤٤.
(٢) البيت لكثير عزة، انظر: ديوانه: ١٤٣.