كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب الاستخبار

صفحة 282 - الجزء 1

  فصل: وأما حكمها في مواضعها من الإعراب فإن العامل فيها يختلف.

  أما الظروف فإنها لا تكون في موضع نصب على الظرف. وأما الأسماء التي ليست بظروف فترفع وتنصب وتجر. فإذا قلت من في الدار؟ فمن في موضع رفع بالابتداء. وفي الدار خبره. وإذا قلت من لقيت؟ فلقيت فعل وفاعل ومن مفعول في موضع نصب بلقيت. وإذا قلت بمن مررت؟ فمن في موضع جر بالياء، وكذلك الباقي إلا أن العامل عامل الاستفهام إذا كان لفظيًا ولم يكن حرف جر كان متأخرًا بعده ولم يجز أن يتقدم عليه فلو قلت قد علمت من زيد لكانت من في موضع رفع. إما مبتدأ وزيد خبره، وإما خبرًا وزيد المبتدأ على حسب الخلاف، ولم يعمل فيه علمت شيئًا وعليه قولهم: قد علمتُ أبو من أنت لأن المضاف إلى الشيء مستلب لإعرابه، قال تعالى: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا}⁣[الكهف: ١٢]. فأي الحزبين مبتدأ، وأحصى خبره، ومثله قول عويف القوافي: (كامل)

  وذكرت أي فتى يسد مكانه ... بالرفد حِينَ تَقَاصُرِ الأرفادِ⁣(⁣١)

  فرفع أيا ولم تعمل فيه ذكرت لأنه لا يعمل في الاستفهام ما قبله كما قدمنا إلا أن يكون العامل معنويا كالابتداء جاز تقديمه، ومن النحويين من يعتقد أن أيَّا في مثل هذا الموضع بمعنى الذي وموضعها النصب. وهي مبنية على الضم عنده وبشرط أنها لا تبنى إلا أن تكون مفسرة بمفرد مثل: {أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى}، ومثل قوله تعالى: {لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}⁣[مريم: ٦٩]، ففسرها بأشد وهو مفرد فبناها. والتقدير الذي هو أشد: فإذا صار إلى مثل البيت نصب أيا فقال: ذكرتُ أي فتى يسد مكانه لأنه فسره بيسد. وهو جُملة من فعل وفاعل وكونه استفهاما لا يعمل فيه ما قبله أحب إلي سواء دنا إلى معرفتي والله أعلم بالصواب.

  وإذا قلت: من قام؟ كان للنحويين فيه قولان: منهم من يقول: إن من مبتدأ


(١) هو عوف بن معاوية بن عتبة بن حذيفة بن بدر سمي عويف القوافي لبيت قاله. انظر: شرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ١/ ٢٦٤، ومعجم الشعراء للمرزباني: ٢٧٧.