كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب الشعر وما يفتقر إلى معرفته الشاعر

صفحة 392 - الجزء 1

بابِ الشَّعْرِ وَمَا يَفْتَقَرُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ الشَّاعِرُ

  يُسأل في هذا الباب عن تسعة أسئلة: ما الشعر في نفسه؟ وكم شرائطه؟ وكم أسماؤه؟ وكم حروفه؟ وكم حركاته؟ وكم عيوبه؟ وكم محاسنه؟ وعلى كم ينقسم؟ وما يجوز للشاعر إذا اضطر؟

  فصل: أما ما الشعر في نفسه؟ فهو الدرجة العليا من الكلام كله بعد الكلام الإلهي، والكلام النبوي. فهما فوق كلّ ذي فوق لبلاغتهما وشرف المتكلم بهما، ومَا سِوَى هذين الكلامين من كلام العرب فيكون على مرتبتين: عُلياهما النظم لما جمع من البلاغة والوزن والتقفية، وسُفلاهما النثر لتعريه من الوزن والتقفية، وإن كان آخذًا بحظه من البلاغة واسم الشعر مأخوذ من الإشعار وهو الإعلام، وهو حكمة العرب الباقية. وفي الحديث «إنَّ من الشعر لحكمة»، «وإن من البيان لسحرًا»⁣(⁣١). يعني بالبيان الشعر، وهو مثل في المبالغة.

  فصل: وشرائط الشعر ثلاث: الوزن والتقفية والقصد، فلا يكون شعرًا إلا بمجموعها. فإن جاء الكلام موزونًا مُقفى غير مقصود لم يكن شعرًا لأنه رُبَّما اتفق ذلك في الكلام الفصيح قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}⁣[آل عمران: ٩٢]، وقال تعالى: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ١٤}⁣[التوبة]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ٢ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}⁣[الطلاق: ٢] فهذه بمنزلة بيت مخروم بأربعة حروف وأول الوزن (تق الله) ونظيره قول علي:


(١) في الصاحبي لابن فارس، ص ٢٧٤، «إن من البيان لسحرا». ومجمع البيان للميداني ص ١٠ وكذلك في البيان والتبيين: ١/ ٥٣ والأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة للسيوطي ورقة ٧٢.