باب شرح المعاني المذكورة
  وجدير طُولُ عيش أنْ يُمل(١)
  وليس هذا بتكلف لأنَّ الجاهلية كانوا يأتون بالكلام على سماحة القرائح بديهة دون استعمال.
  فصل: وأمّا التدارك؛ فهو أن يأخذ الشاعر في معنى ثم يبقى منه شيئًا فيتبين له الأمر من بعد ثم يعود فيتدارك ما قد كان بقاه بما يؤكده فيثبت بذلك التوكيد ما بقاه ومن ذلك قول بعضهم: (طويل)
  أليس قليلاً نظرةً إِنْ نَظَرْتُهَا ... إليْكِ وَكلّ منكِ غيرُ قَليل(٢)
  فانظره استقل النظرة ثم بان له أنَّها كثيرٌ فتَدارك أوَّل كلامِهِ بِآخِره فقال: وكُلُّ منك غير قليل.
  وقد جعل بعضهم الاستثناء من هذا النوع وليس منه، لأنه ضده، وزعم أن التدارك مثل قول حاتم طيئ: (طويل)
  وما تشتكيني جارتي غير أنني ... إِذَا غَابَ عَنْهَا بعلُها لا أزورُها(٣)
  وقول النابغة الجعدي: (طويل)
  فَتَى كَمُلَتْ أخلاقه غيرَ أَنَّهُ ... جَوادٌ فمَا يُبْقِي مِنَ المالِ باقيا
  فتى كان فيهِ ما يَسُرُّ صديقه ... على أن فيه ما يسوء إلا عاديا(٤)
(١) البيت إلى لبيد وهو من الرمل ديوانه: ٥٥. وصدره:
من حياة قد مللنا طولها.
(٢) البيت من الطويل وهو لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي انظر: الكافي في العروض والقوافي / ١٨٧، وفيه: (وكلا ليس) بدل (وكل منك) والبيت لابن الطثرية انظر: شرح حماسة أبي تمام: ٢/ ٢٧٠. وكتاب البديع / ٦٠ وكتاب الزهرة: ص ١٠٧.
(٣) حاتم الطائي: هو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج من طيئ، وأمه عنبة بنت عفيف من طيئ. وكان جوادًا شاعرًا جيد الشعر الشعر والشعراء لابن قتيبة: ١/ ٢٤١، والأغاني: ١٧/ ٢٧٨ - ٣٠٥، والبيت من الطويل انظر ديوانه ٢٧، وفيه (غير أنها) بدل (غير أنني).
(٤) والبيتان من الطويل وهما في رثاء أخيه، وهما في ديوانه ١٧٣، ١٧٤، وانظر: الشعر والشعراء/ ٢٩٣، وتحرير التحبير / ١٣٣، وفي الشعر والشعراء: (خيراته) بدل (أخلاقه)، وفي ديوانه وفي الموشح مثله انظر الموشح للمرزباني / ٩٣، والوسيط في الأدب العربي/ ١٦٦، والكتاب: ١/ ٣٦٧.