كشف المشكل في النحو،

علي بن سليمان حيدرة (المتوفى: 602 هـ)

باب إن وأخواتها

صفحة 89 - الجزء 1

  كما تقول: ضربه وضربهما.

  والثاني: أنَّ هذه الستة تدلُّ على الأحداث كما أن الأفعال تدلُّ عليها، فإنَّ وأن يدلان على التأكيد، ولكنَّ وكأنَّ وليتَ ولعلَّ يدللن على الاستدراك والتشبيه، والتمني، والترجي. ألا ترى أنك لو قلت كأنَّ زيدًا، عمرو، لكان كقولك: شبهت زيدًا عمرًا، قد دلا جميعًا على المصدر وهو التشبيه.

  الثالث: أنها مفتوحة الأواخر كالفعل الماضي تقول: ليت ولعل، كما تقول: خرج ودخل، وإنما حركت الأواخر لالتقاء الساكنين، وخُصت الفتحة لأنها أخف الحركات.

  الرابع: أنها مركبة من ثلاثة أحرف وأربعة أحرف أصولاً، والفعل لا يكون إلا ثلاثيا، أو رباعيا أصولا، فإن وأنّ وليت ثلاثية مثل: ضرب، ونفع، ولكنَّ وكأنَّ ولعلَّ رباعية مثل: دحرج، وقرمط. فلما أشبهت هذه الحروف الأفعال هذه المشابهة من جهة اللفظ والمعنى عملت عملها. كما أن الفعل المتعدي يرفع الفاعل، وينصب المفعول في مثل ضرب زيد عمرًا، وضربَ عمرًا، زيد، رفعت الخبر ونصبت الاسم، لأنها شبهت من الأفعال ما قدم مفعوله على فاعله، كما تقول: ضرب عمرًا زيد، تقول: إنَّ زيدًا قائم. وألزمت هذا الحد لضعفها. وذلك أنها لم تتصرف في نفسها فتتصرف في معمولها وأصلها أنها داخلة على المبتدأ وخبره، فنصبت المبتدأ وصيرته خبرها لأنها لفظية وعامل المبتدأ معنوي واللفظي أقوى من المعنوي فسلبته معموله.

  فإذا كانت داخلة على المبتدأ وخبره جاز أن يخبر عنها بما يخبر عن المبتدأ من مفرد وجملة، وظرف وحرف مثال ذلك كله: إن زيدًا قائم، وإنَّ زيدًا قام، وإن تقم يقم، وإن زيدًا أبوه منطلق، وإنَّ زيدًا أمامك، وإنَّ زيدًا في الدار. فمتى كان الخبر مفردًا كان الرفع فيه ظاهرًا، ومتى كان جُملة، أو ظرفًا، أو حرفًا كان الرفع فيه مقدرًا فصار جُملة الأمر أنها نقصت عن الفعل أربعة أشياء:

  الأول: لا يتقدم منصوبها عليها لعدم تصرفها.