وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:
  الطبري | [٩٨]: إنه أمر معلوم بالضرورة؛ وصَدَقَ؛ فإنه # أَنْسَى بشجاعة مَنْ كان قبله، ومحا اسْمَ مَنْ جاء بعده؛ ومقاماتُهُ في الحروب مشهورة، وآثاره على صفحاتِ الدهر مزبورة، وضَرَبَاتُه بها تُضْرَبُ الأمثالُ إلى يوم القيامة، وشَأْنُ إِقْدَامِهِ مَرْسُومُ على ألسنة الخاصة والعامة، حتى إنه يَنْسُبُ إِليه النَّاسُ كُل أمر خارق للعادات: مثل ضَرَباتِ عَليَّ(١)، وليلة الجن(٢)، وما لا يأتي عليه العد، ولا يشك أحد أنه الشجاع الذي ما فَرَّقَطٌ ولا ارتاع، ولا بارز أحدًا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية، وفي الحديث: كانت ضَرَبَاتُهُ وَتْرًا(٣).
  ولَمَّا دَعَا مُعَاوِيةً إلى المبارزة أيّام صفين ليستريح الناس من الحرب - قال له عمرو بن العاص: لقد أنصفك! فقال له معاوية ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أتامرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه هو؟! أراك طَمِعتَ في إمارة الشام(٤)؟! وكانتِ العَرَب تفتخر بمقامها في الحروب بإزائه وفي مقابلته، اتَّفَقَ أَنَّ معاوية انتبه يوما فرأى عبد الله بن الزبير جالسًا عند رجليه على سريره فقال له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين لو شِنْتُ أَنْ أغتالك لفعلت! قال معاوية: لقد شَجُعْتَ بَعْدَنَا يا أبا بكر! قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف بإزاء علي بن أبي طالب؟! قال: لا عجب إنه قتلك وأباك بيسرى يديه، وبقيت يمينه فارغة يطلب من يقتله بها [شرح النهج ١/ ٣٨]؛ فانظر إلى استدلال عبد الله على شجاعته بمجرَّدِ وقوفه بإزاء أمير المؤمنين وافتخاره بذلك، وانظر
(١) في صخرات كبار مفلقة كأنها قُدَّتْ بسيف، على مرحلة من الطائف جهة اليمن، تزعم العوام أنها بسيف أمير المؤمنين # في بعض المعارك، كان أعداؤه يختبئون وراءها؛ ولا أصل لذلك في كتب السير، والإمام علي غني عن مثل هذه الخرافات، وإنما هي دليل على أنه # أسطورة.
(٢) تزعم العامة أنه # حارب الوفا من كفار الجن في بئر حتى أبادهم، وهي من الأساطير التي تنسج حول العظماء.
(٣) شرح النهج ١/ ٣٨، والمقصود بالحديث الكلام المأثور عن الناس.
(٤) كامل ابن الأثير ٣/ ١٥٨، والحدائق الوردية ١/ ٧٤، ومروج الذهب ٢/ ٣٨٦، ووقعة صفين للمنقري ص ٣١٦.