وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:
  صِفِّينَ، وعلى رأسه عِمَامَةٌ بيضاء قد أرخى طَرَفَيْهَا، كأن عينيه سِرَاجًا سَلِيطٍ، وهو يَقِفُ على شِرْذِمَةٍ شِرْذِمَةٍ يَحُضُهُمْ حتى انتهى إليَّ وأنا في كثف [جماعة] من الناس، فقال: معاشر المسلمين استشعروا الخشية، وغُضُّوا الأصوات، وتجليبوا السكينة، وأَعْمِلُوا الأَسِنَّةَ، أقلقوا السُّيوف(١) في الأَغمادِ قَبْلَ السَّلَّةِ، وأَبْلِغُوا الوَخْزَ(٢)، ونافحوا الظُّبَا(٣)، وصلوا السُّيوفَ بِالْخُطَا(٤)، والنَّبَالَ بِالرِّمَاحِ؛ فإنكم بِعَيْنِ اللهِ تعالى، ومَعَ ابْنِ عَم نبيه ÷، وعَاوِدُوا الكَرَّ، وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ؛ فإِنه عَارُ باق في الأعقاب والأعناق، ونَارُ يومَ الحساب، وطيبوا عن أنفسكم أنفسًا، وامْشُوا إلى الموت سُجَّحًا(٥)، وعليكم بهذا السواد الأعظم، والرِّوَاقِ المُطَنَّبِ(٦)، فاضربوا ثبجه(٧)؛ فإنَّ الشيطان [معاوية] راكبٌ ضَبْعَيْهِ(٨)، ومُفْتَرشُ ذراعيه، قد قَدَّمَ للوثبة يَدا، وأَخَرَ للنكوص رجلًا، فَصَمْدًا صَمْدًا حتى يَنْجَلِي لكم عَمُودُ الدِّينِ، {وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ ٣٥}[محمد: ٣٥]. أخرجه ابن عساكر(٩).
  وعن جابر بن عمير الأنصاري(١٠) في خبر طويل في صفة يوم الهرير، وفيه أَنَّ عَليًّا # قال: لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى، قال: فلا والله الذي بعث مُحَمَّدًا بالحق نبيا ما سمعنا برئيس قَوْم منذ خلق الله السموات والأرض أصابَ بيده في يوم
(١) في الأصل: وأجيلوا السيوف، وما أثبتناه من تاريخ دمشق ٤٢/ ٤٦٢ والنهج، وقد فسرها في تاريخ دمشق: يريد سهلوا سلها قبل أن تحتاجوا إلى ذلك؛ لئلا يتعسر عليكم عند الحاجة.
(٢) الوخز الطعن بالرمح ونحوه، ولا يكون نافذا، مختار الصحاح ص ٧١٣.
(٣) أي قاتلوا بالسيوف، وأصله أن يقرب أحد المتقاتلين من الآخر، بحيث يصل نَفْحُ كُلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، وهي ريحه وَنَفَسُهُ. النهاية ٥/ ٨٩.
(٤) صلوا السيوف بالخطا إذا قصرت سيوفكم عن الوصول إلى أعدائكم فصلوها بخطاكم.
(٥) مشية سُجُحًا: أي سهلة منه قول عائشة لعلي: مَلَكْتَ فَأَسْجِحْ: أي سَهل. تاريخ دمشق ٤٢/ ٤٦٢.
(٦) الرواق المطنب: يعني رواق البيت المشدود بالأطناب، وهي حبال تشد به. تاريخ دمشق ٤٢/ ٤٦٢.
(٧) الثبج: بفتحين ما بين الكاهل والظهر.
(٨) الضبع: العضد كلها وأوسطها بلحمها، أو الإبط إلى نصف العضد من أعلاه. قاموس ص ٩٥٦.
(٩) تاريخ دمشق ٤٢/ ٤٦٠، ٤٦١، ونهج البلاغة ص ١٨٧ خطبة رقم ٦٤، ومروج الذهب ٢/ ٣٨٠.
(١٠) في الأصول نمير، والصواب ما أثبت من وقعة صفين جابر بن عمير، له صحبة، عداده في أهل المدينة، روى له النسائي حديثًا واحدًا. تهذيب الكمال ٤/ ٤٥٧، وأسد الغابة ١/ ٤٩٥.