وإذا قد ذكرنا اسمه # فنذكر صفته #:
  تنبيه: اشتملت هذه الأحاديث على فضائل جمة لأمير المؤمنين كرم الله وجهه في الجنة. ونقدم سؤالا هو أن قوله #: (إِنَّهُ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ) لَمَّا قال ÷: «مَا أَلُوْمُ النَّاسَ يُسَمُّونَك أبا تُرَابٍ»؟ وقد تقدم أنه كان أحَبَّ الأسماء إليه، وأنه ما سماه به إلا رسول الله ÷، فكيف التوجيه؟ قلت: فَهِمَ عَليٌُ # من قوله ÷: «ما ألوم ... إلخ» أَنَّ هذه التسمية كان يُلامُ مَنْ دعاه بها، والآنَ حيثُ أنت تنام في الجداول ونحوها لا لَوْمَ عليهم في إطلاقها وما أراد ÷ بذلك أنه يلوم مَنْ دعاه بها، ولا أنه انتفى عنهم اللَّوْمُ حينئذٍ، بل أَرَادَ دُعَابةً لعلي #، وبَسْطَ خُلُقِهِ له! وعُرُوضُ الوَهْم لعلي # بذلك من العوارض البشرية التي تجوز عليه، وبعد ذلك انتفى ما وجده وتَوَهَّمَهُ، وبَقِيَ ذلك الاسمُ أَحَبَّ الأسماء إليه؛ لأن أوّل مَنْ سَمَّاهُ به رَسُولُ الله ÷ ولنعد إلى ما دَلَّتْ عليه من الفضائل:
  فمنها: محافظته # على أن لا يفوته شيء من تشريفاتِ الرَّسُولِ ÷ لأصحابه(١)؛ فإنه لما وَاخَى بينهم جاء وعيناه تدمعان إذ لم يُوَاخ ÷ بينه وبين أحد؛ محبة منه # لما شرف به ÷ أصحابه، وسُموَّ نَفْسٍ أن تتصف بكل تشريف شرف الرسول ÷ صحابته به، ومنها: أنه أخو أَشْرَفِ خَلْقِ اللهِ، وأنه أبو وَلَدَيْهِ، وأنه يقاتل على سنته، ويُبْرِي ذِمَّتَهُ، وبَيَانُ فضيلةِ مَنْ مات في عهده # أو بَعْدَهُ على حُبِّهِ، وبَيَانُ رذيلةِ مَنْ مات على بُغْضِهِ وأَنَّ مَيْتَتَهُ جاهليّة. ومنها: مُبَاهَاةُ الله به # ملائكته، وحَمَلَةَ عَرْشِهِ،
= الإمام بعد الرسول، وعن مخالفينا أن ذلك هو أبو بكر دونه. ولا هو الإمام بعده من غير فصل؛ فيكون وصيَّا في أمته، وليا للتصرف عليهم عند المخالف؛ فليت شعري في ماذا يكون وصيا؟! وقد صرح بذلك الرسول ÷ في مقام بعد مقام، فكأن هذه اللفظة على مذهب مخالفينا من جملة الهذر والعبث الذي لا يفيد، وحاشا له ÷، وكلامه في الحكم مأخوذ عن العلي الأعلى كما قال تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤}[النجم: ٤]، وإنما يتم معنى كونه وصيا على مذهبنا حيث قضينا بأنه يلي التصرفات على الأمة في النفس والمال على الحد الذي كان يليه رسول الله ÷. فأما على مذهب المخالف فلا يتم كونه وصيَّا، لا على العموم ولا على الخصوص؛ لأنه لم يثبت له أمر يلي التصرف فيه بعد وفاة النبي ÷، وقيام أبي بكر بالإمامة.
(١) الترمذي ٥/ ٥٩٥ برقم ٣٧٢٠، وابن هشام في سيرته ٢/ ١٥٠، وابن كثير في سيرته ٢/ ٣٢٥، و تاريخ دمشق ٤٢/ ٥١، وفرائد السمطين ١/ ١١.