الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 166 - الجزء 1

  على حلقه لولا مَنْعُ الله لها أن تقطع؛ فلهذا وصفه الله ووصف ولده بِالْحِلْمِ.

  وشَبهه ÷ بيحيى بن زكريا @ في زهده، ويحيى هو علم الزهادة في أبناء آدم # من تأخر منهم ومَنْ تقدم، وقد مُلِئَتِ الكُتُب باليسير من صفات زهده.

  وشَبَّهَهُ بكليم الله # في بطشه، وقد كان موسى # شديد البطش، وناهيك أنه وَكَزَ القِبْطِيَّ فقضى عليه! وأراد البطش بالآخر وهو في بلد فرعون وتحت يده، وبنو إسرائيل أرقَاءُ في يد فرعون، وكان القِبْطُ أَهْلَ الصَّوْلَةِ والشوكة والدولة.

  وشَبَّهَهُ في الحديث الآخَرِ بيوسف # في جماله، ويُوسُفُ # في جماله شمس لا يزيدها الوصف إلا خفاء؛ فهي أظهر من أن تُظَهَرَ، وقد سبق صفة أمير المؤمنين، وأن عنقه كأنه إبريق فضة، وأنه كان أَغْيَدَ، وغير ذلك من صفات حُسْنِهِ.

  إذا عرفت هذا فهذه شرائف الصفات: الحلم، والعلم، والفهم، والزهادة، والبطش، والحُسْنُ، ثم إنه حاز أَكْمَلَ كُلَّ واحدة منها؛ فإنَّ عِلْمَ الرُّسُلِ أكمل العلوم، وحلمهم أكمل الحلم وفهمهم أتم فهم، وزهادتهم أبلغ زهادة، وبطشهم أقوى بطش، فناهيك برجل كَمَّلَهُ الله بهذه الصفات وأخبر نبيه عنه أنه حازها، وشَابَهَ أَكْمَلَ مَنِ اتَّصَفَ بها، وأَنَّ مَنْ أراد أن يَنْظُرَ مَنْ كان متصفًا بها مِنْ أولئك الرسل الأَعْلَيْنَ ويشاهده كأنه حي نظر إلى هذا المتصف بها؛ لذلك قيل:

  يُدِلُّ بِمْعَنِّى وَاحِدٍ كُلُّ فَاخِرِ ... وَقَدْ جَمَعَ الرَّحْمَنُ فِيهِ الْمَعَانِيَا⁣(⁣١)

  ولو أردنا سرد ما فاض عن الوصي # من ثمرات هذه الصفات، وما انفجر عنه من بحور هذه الكمالات لخرجنا عَمَّا قصدناه من بيان معنى الأبيات، والاختصار له في هذه الكلمات، ويأتي في غضون صفاته ما يدل على كمالاته. وقد شبه ÷ بعض الصحابة ببعض من الرسل في بعض الصفات⁣(⁣٢). ولم يجمع لأحد خمسة من الأنبياء، ولا ثلاثة، ولا جاء في حق أحد بهذه العبارة أعني: «من أراد


(١) البيت لأبي الطيب المتنبي. شرح ديوانه ٤/ ٤٢٦.

(٢) في الإسراء والمعراج شَبَّه عيسى # بعروة بن مسعود الثقفي، وشبه موسى # برجل من أَزْدِ شنوءة. السيرة الحلبية ١/ ٣٧٨.