الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 168 - الجزء 1

  يكن متبعا لعيسى #؛ بل يكون مُعَانِدًا له، مُكَذِّبًا لما جاء به؛ فالخبر إنما يتناول المؤمنين الذين صح إيمانهم فانتفعوا بمحبته # انتهى [المحاسن ٢٠١].

  قلت: أَمَّا أَنَّ الغالي يُسَمَّى مُحِبَّا حقيقة فلا كلام فيه، إلا أنه لغلوه وإطرائه لمن أحبه بما لم يقله الله ولا رسوله صار عَاصِيًا أَعْظَمَ عِصْيَانٍ؛ فاستحق العذاب بعصيانه، وتلاشَتْ حسناتُ مَحَبَّتِهِ.

  كما أن الْمُبْغِضَ وَإِنْ أطاع الله في كل ما أمره، به وخالفه في هذا الذي أمر به الله تعالى ورسوله من محبة الوصي تلاشَتْ طاعاته، وخرج عن زمرة المؤمنين إلى فريق المنافقين؛ وقد نهى الله عن الغلو في الدين وفي كل أمر فقال: {لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ}⁣[النساء: ١٧١] وأمر بالعدل في كل شيء فقال: {۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ}⁣[النحل: ٩٠]، وفي السنة الكثير الطيب من ذلك، «وخِيَارُ الأمور أوْسَاطُهَا»، وقد نهى ÷ أن يُطْرُوا فيه، فقال: «لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النصارى في عيسى»⁣(⁣١). وبالجملة:

  فَخَيْرُ الْأُمُورِ السَّالِفَاتُ على الهدى ... وشَرُّ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَاتُ البَدَائِعُ⁣(⁣٢)

  فَمَنْ نظر إلى أعيانِ الصحابة الذين أَحَبُّوا أمير المؤمنين المحبةَ الْمَأْمورَ بها: مِثْلِ مَنْ وَصَفَهُ الرسول ÷ بأنه مليء مِنْ هَامَتِهِ إلى قدميه إيمانًا، وبأنَّ الله يُحِبُّ مَنْ أَحَبَّهُ ويبغض من أبغضه، وهو عمار بن ياسر ¥ - فَلْيَقْتَدِ بهم في كيفية المحبة، وكميتها: لا يَغْلُو غُلُو المُفْرِطِينَ، وَلَا يُقَصِّرُ تقصير المُفَرِّطِينَ، وقد كان عَمَّارُ أَشَدَّ الناسِ مَحَبَّةً لعلي # واتَّبَاعًا له؛ لأنه قال له رسول الله ÷: «إِذَا سَلَكَ النَّاسُ شِعْبَا، وَسَلَكَ عَلِيٌّ شِعْبًا فَاسْلُكْ شِعْبَ هَذَا الْأَنْزَعِ»⁣(⁣٣). فما زال عَمَّارُ سَالِكًا مَسْلَكَ الْوَصِيُّ # حتى اسْتُشْهِد بين يديه كما قدمناه ¥.


(١) البخاري ٣/ ١٢٧١ رقم ٣٢٦١، وابن حبان ١٤/ ١٣٣ رقم ٦٢٣٩ (ر)، والطبراني في الأوسط ٢/ ٢٦٥ رقم ١٩٣٧، وأبو يعلى ١/ ١٤٢ رقم ١٣٥، وعبدالرزاق ١١/ ٢٧٣ رقم ٢٠٥٢٤، ومسند أحمد ١/ ٥٩ برقم ١٥٤ عن عمر (ر).

(٢) البيت للحافظ أبي محمد علي بن أحمد الفارسي.

(٣) أمالي أبي طالب ص ١٠١ رقم ٥٩، وكنز العمال ١١/ ٦١٣ برقم ٢٩٧٢ عن الديلمي.