الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 174 - الجزء 1

  وقال الحافظ الذهبي في التذكرة [٣/ ١٠٤٣] في ترجمة الحاكم أبي عبد الله المعروف بابن البيع الحافظ المشهور مؤلف المستدرك وغيره، بعد أن ساق حِكَايَةً: وسُئِلَ الحاكم أبو عبد الله عن حديث الطير؟ فقال: لا يصح! ولو صح لما كان أحد أفضل من علي بعد رسول الله ÷! قال الذهبي: قُلْتُ: ثم تَغَيَّرَ رَأْيُّ الحاكم فأخرج حديث الطير في مستدركه⁣(⁣١)؛ قال الذهبي: وأما حديث الطير فله طُرُقُ كثيرة قد أَفْرَدْتُهَا بمصنف! ومجموعها يُوجِبُ أَنَّ الحديث له أصل، انتهى كلام الذهبي⁣(⁣٢).

  فأقول: كلام الحاكم هذا لا يصح عنه، أو أنه قاله ثم رجع عنه كما قال الذهبي: ثم تَغَيَّرَ رَأَيْهُ، وإنما قلنا ذلك لأمرين: أحدهما وهو أقواهما: أن القول بأفضلية علي # بعد رسول الله ÷ هو مذهب الحاكم كما نقله الذهبي أيضًا في ترجمته عن ابن طاهر، قال الذهبي: قال ابن طاهر: كان [الحاكم] شديد التعصب للشيعة في الباطن! وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان مُنْحَرِفًا عن معاوية وآله متظاهرًا بذلك ولا يعتذر منه! انتهى كلام ابن طاهر، وَقَرَّرَهُ الذهبي بقوله: قلت: أما انحرافه عن خصوم علي فظاهر، وأما الشيخان فَمُعَظَّم لهما بكل حال! فهو شِيْعِيٌّ لَا رَافِضِي. انتهى [التذكرة ١٠٤٥].

  قلت: إذا عرفت هذا فكيف يطعن الحاكم في الحديث بشيء هو رأيه ومذهبه


(١) إن هذا الكلام يؤكد اقتناع الإمام الحاكم ¦ أخيرًا أن الإمام عليًّا # أفضل الخلق بعد رسول الله ÷؛ لما رأى من الأدلة الساطعة التي لا تواريها حُجُبُ الأهواء.

(٢) تذكرة الحفاظ ٣/ ١٠٤٣. لاحظ أن الحافظ الذهبي أفرد لهذا الحديث مصنفًا لكثرة طرقه، ولكن العقيدة الراسخة في ذهنه التي قلّد فيها شيوخه وأهل مذهبه مِنْ أنه لا يَجُوزُ تفضيل عَليَّ على أبي بكر وعمر وعثمان! وأصبح القولُ بغير ذلك تجاوز للخط الأحمر، وهدم للعقيدة؛ ولذلك لم ينفع الحديث، بل لا ينفع قرآن، ولا سنة، ولا عقل، ولا منطق: ولو سَأَلْنَا الذهبي ومَنْ على رأيه: بماذا قدمتم غَير علي عليه؟ أبالقرب من النبي؟ فَعَلِيُّ أَقْرَبُ، أم بالسبق إلى الإسلام؟ فَعَلِيُّ أسبق، أم بالشجاعة والنكاية في أعداء الله؟ فَعَلِيُّ إِمَامُ المجاهدين وأشجع الخلق أجمعين، أم بالعلم؟ فَعَلِيُّ أعلم الصحابة؛ ولم يَقُلْ عمر لأحد من البشر: لا أبقاني الله في معضلة ليس لها أبو الحسن. لولا علي لهك عمر - إِلَّا لِعَلي! لعلكم أخرتموه حسب ترتيب الخلافة؛ وَالْخِلَافَةُ لَمْ تَقُمْ على أصل صحيح بَلْ إِنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كانت فَلْتَةً كما قال عمر البخاري ٦/ ٢٥٠٣ رقم ٦٤٤٢، وبيعة عمر وصية، وبيعة عثمان مؤامرة.