الروضة الندية شرح التحفة العلوية،

محمد بن إسماعيل بن صلاح الأمير (المتوفى: 1182 هـ)

فائدة: [شبه علي # بخمسة من الأنبياء]

صفحة 180 - الجزء 1

  قلت: وقد تُكلّم على الحديث بأنه لو وقع لاشتهر اشتهار سائر المعجزاتِ بل أَعْظَمَ، وَأَنَّهُ من الغَرَابَةِ في الرتبة التي لا تخفى! والنقل للمستغربات لا ينفرد به الأفراد؛ فإنه قد ذُكِرَ في الأصولِ أنه يُرَدُّ من الأخبار ما انفردَ نَاقِلُهُ إذا كان يستلزم الشُّهْرَةَ كَقَتْلِ خطيب على منبر ونحوه، وأقول: هذا غير مفتقر إلى الرد عليه؛ لوضوح بُطْلَانِهِ؛ فَإِن المعجزاتِ الرسولية لا انحصار لها، ولا نُقِلَ كلما وقع منها تَوَاتُرًا، وهذا انشقاقُ القَمَرِ في مكة قبل الهجرة قد وقع ولا شك فيه، وما كان في الشهرة إلا قريبًا من هذه الرتبة! ومع ذكره في القرآن اختلف المفسرون هل المراد ذلك أو غَيْرُهُ؟ وكم من معجزات نبوية ما نُقِلَتْ إِلا نَقْل الأحادِ والسبب أنه لما ثَبَتَتْ نبوَّتُهُ ÷، وظهرت معجزاته اقتصر الناس على أعظم المعجزات، وأدومها وأبقاها وهو القرآن الكريم؛ فَانْغَمَرَتِ المعجزات ولم ينقل منها بالتواتر إلا البعض، ولم يُنْقَل نَقْل القرآنِ؛ على أن القرآن قد انفرد آحاد بنقل آيات منه وقَبِلَهَا الصحابة. وكتب الحديث مملوءة بذلك، ومن ذلك زيادة اليوم الذي أخبر رسول الله ÷ قريشا أن عيرهم تقدم فيه من الشام يقدمها جمل أَوْرَقُ، فلما تقارب اليوم وكادت الشمس أن تغرب ولَمَّا تصل العير دعا رسول الله ÷ ربه أن يوسع في اليوم حتى تقدم العير فيه فمد الله فيه حتى قدمت العير فيه⁣(⁣١)، وهو نظير هذه القصّة في تأخر الشمس وإن كانت هذه في ردها بعد غروبها، وكم لهذه من نظائر، ولهذه المعجزة في نفسها سبب خاص في عدم تواتر نقلها وهو أن أخر اليوم كثيرًا ما يستر الغيمُ المغرب فيواري الشمس مواراة يُظَنُّ معها غروبها، وقد اتفق ذلك للصحابة في زمن عمر أنهم أفطروا في رمضان لغيم حجب


= رواه الطبراني في الكبير ٢٤/ ١٤٤ رقم ٣٨٢، و ١٤٧ رقم ٣٩٠، و ١٥٢ رقم ٣٩١، وابن المغازلي في المناقب ص ٨٠، والرياض النضرة ٢/ ١٨.

(١) الشفاء للقاضي عياض ١/ ٥٤٩ في الإسراء والمعراج، والسيرة النبوية لدحلان على هامش السيرة الحلبية ١١/ ٢٨٣، وسبيل الهدى والرشاد ٣/ ٩٤ والبداية والنهاية ٦/ ٣١٤.